وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾.
أي: إن ربك -يا محمد- هو أعلم بمن حاد عن دينه وأخطأ سبيل الهدى والنجاة، ممن هو قد أصاب قصد السبيل وسلك سبيل النجاة، وكل ذلك سابق في علم اللَّه تعالى.
٣١ - ٣٢. قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢)﴾.
في هذه الآيات: إثبات الملك والحساب للَّه رب العالمين، وثناء على المجتنبين الكبائر والفواحش من المؤمنين، واللَّه تعالى هو أعلم بالمتقين.
فقوله: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. أي هو المالك -سبحانه- المتصرف في هذا الكون، الحاكم بين عباده، فمثيب للمحسنين ومعاقب للآثمين. قيل اللام في ﴿لِيَجْزِيَ﴾ لام العاقبة. قال القرطبي: (أي وللَّه ما في السماوات وما في الأرض، أي وعاقبة أمر الخلق أن يكون فيهم مسيء ومحسن، فللمسيء السوءى وهي جهنم، وللمحسن الحسنى وهي الجنة). وقال النسفي: (﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، أو بسبب الأعمال الحسنى. والمعنى أن اللَّه عز وجل إنما خلق العالم وسوى هذا الملكوت ليجزي المحسن من المكلفين والمسيء منهم إذ الملك أهل لنصر الأولياء وقهر الأعداء).
وقوله: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾. قيل: الكبائر ما أوعد اللَّه عليه النار، والفواحش ما شرع فيها الحد. واللمم: الصغائر. وقيل: كبائر الإثم الشرك لأنه أكبر الآثام، والفواحش: الزنى. ثم استثنى استثناء منقطعًا: ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ قال الشعبي: (كل ما دون الزنى). وقال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وحذيفة ومسروق: (إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة).
أخرج ابن جرير بسند جيد عن ابن عباس: (﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾، قال هو الرجلُ يُلِمُّ بالفاحشة ثم يتوب).