وقوله تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾. أي: وبما في صحف إبراهيم الذي أحسن الوفاء للَّه، وأخلص الانقياد والطاعة. قال ابن عباس: (﴿وَفَّى﴾ للَّه بالبلاغ). وقال سعيد بن جبير: (بلَّغ جميع ما أُمِرَ به). وقال قتادة: (﴿وَفَّى﴾ طاعة اللَّه، وأدّى رسالته إلى خلفه). وقول قتادة شامل لما سبق في تأويل هذه الآية.
وقوله تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. بيان من اللَّه سبحانه لما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى، أن وزر كل نفس إنما هو عليها لا يحمله عنها أحد. كما قال جل ذكره: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: [قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أُنْزِلَ عليه: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]: يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من اللَّه، لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا، يا بني عبد المُطَّلبِ! لا أغني عنكم من اللَّه شيئًا. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنكَ من اللَّه شيئًا. يا صَفِيَّةُ! عَمَّةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا أغني عنك من اللَّه شيئًا. يا فاطمةُ! بنت رسول اللَّه سليني ما شِئت، لا أغني عنك من اللَّه شيئًا] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾. أي: أو لم يُنبأ كذلك أنه لا يجازى عامل إلا بعمله، فكما لا يُحْمَلُ عليه وِزْرُ غيره، كذلك لا يأخذ من الأجو إلا من كسبه وسعيه.
وقد ثبت انتفاع العبد من عمل غيره بأمور:
١ - دعاء المسلم له، إن توفرت فيه شروط القبول.
ففي التنزيل: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: ١٠].
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملكٌ مُوَكَّل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكَّلُ به: آمين ولك بمثل] (٢).
وفي صحيح أبي داود عن عثمان بن عفان - رضي اللَّه عنه - قال: [كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا فرغ
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ٨٦) - كتاب الدعاء. باب: الدعاء للمسلم بظهر الغيب.