وقوله تعالى: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ﴾. إنكار على المشركين استماعهم القرآن ثم إعراضهم عنه وعجبهم أن يكون نزل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله تعالى: ﴿وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ﴾. قال ابن جرير: (وتضحكون منه استهزاءً به، ولا تبكون مما فيه من الوعيد لأهل معاصي اللَّه، وأنتم من أهل معاصيه).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾. قال ابن عباس: (هو الغناء بالحميرية، سمد لنا: غنّى لنا). وقال مجاهد: (هو الغناء، يقول أهل اليمن: سمد فلان إذا غنى). وقال الضحاك: (السُّمود: اللهو واللعب). وقال عكرمة، عن ابن عباس: (كانوا إذا سمعوا القرآن تَغَنَّوا ولعبوا). وقال الحسن: (﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾: غافلون).
والآية تشبه قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٦٦ - ٦٧]. قال سعيد بن جبير: (يسمرون بالليل يخوضون في الباطل). وقال مجاهد: (بالقول السَّيِئ في القرآن). وأصل السَّمر: الحديث بالليل.
والخلاصة: أنَّ كفار مكة لما طغوا أخذوا يَسْمُرون بالليل يتغنون بكلام فاحش يؤذي اللَّه ورسوله، ويتمادون بلغو القول وهم يَهْذون ويلعبون ويطربون، فعَاب اللَّه ذلك عليهم في هذه الآيات التي تحمل لهم التهديد والوعيد.
وقوله تعالى: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾. أي: فلربكم -أيها الناس- فاسجدوا مخبتين، وأخلصوا له العبادة والتعظيم. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن المراد سجود التلاوة، والأول أرجح.
وقد تقدّم أول السورة حديث الإمام البخاري عن ابن عباس: [أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس] (١).
وله شاهد عند الدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: [إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد في سورة النجم وسجدنا معه].
وروى الجماعة إلا ابن ماجة عن زيد بن ثابت قال: [قرأت على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والنجم

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه -حديث رقم- (٤٨٦٢) - كتاب التفسير، سورة النجم، باب ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)﴾.


الصفحة التالية
Icon