المرسلين، وما عاملتهم به الأمم، وما كان من عقبى أمورهم وأمور المرسلين، فكان في كل قصة ونبأ ذكر للمستمع أن لو ادّكر، وإنما كرّر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ لأن "هَلْ" كلمة استفهام تستدعي أفهامهم التي ركبت في أجوافهم وجعلها حجة عليهم، فاللام من "هَلْ" للاستعراض والهاء للاستخراج).
١٨ - ٢٢. قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)﴾.
في هذه الآيات: إخبار عن عاد قوم هود حين كذبوا رسولهم فأرسل اللَّه عليهم ريحًا صرصرًا -أي باردة شديدة- في يوم نحس عليهم، مستمر عذابه لاتصال عذاب الدنيا بالآخرة. وكانت الريح ترفع أحدهم ثم تنكسه على أم رأسه، وقد جعلها اللَّه آية تتناقلها الأجيال إلى يوم القيامة.
فقوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾. قال ابن جرير: (يقول: فانظروا معشر كفرة قريش باللَّه كيف كان عذابي إياهم، وعقابي لهم على كفرهم باللَّه، وتكذيبهم رسوله هودًا، وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغيّ والضلالة).
وقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾. قال ابن عباس: (ريحًا شديدة). وقال قتادة: (والصرصر: الباردة). وقال ابن زيد: (الصرصر: الشديدة).
وقوله: ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ﴾. أي في يوم شرّ وشؤم عليهم. قال قتادة: (النَّحْس: الشؤم). وقال ابن زيد: (النّحْس: الشَّر ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ﴾ في يوم شرّ).
وقوله: ﴿مُسْتَمِرٍّ﴾. قال قتادة: (يستمر بهم إلى نار جهنم). والمقصود: لقد نزل بهم العذاب في يوم شؤم فمازال يتتابع البلاء عليهم بعده إلى أن وافوا جهنم.
وقوله تعالى: ﴿تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾. قال القرطبي: (﴿تَنْزِعُ النَّاسَ﴾ في موضع الصفة للريح أي تَقْلَعهم من مواضعهم. قيل: قلعتهم من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها). والمنقعر: المنقطع من أصله. قال مجاهد: (كانت تقلعهم من الأرض، فترمي بهم على رؤوسهم فتندقّ أعناقهم وتبين رؤوسهم عن أجسادهم).