الحروف من مواضِعها من الحَلق واللَّسان والشفتين، على اختلاف مخارجِها وأنواعِها).
قلت: وعموم الآية يشمل تعليم اللَّه الإنسان ما يحتاج إليه في أمر دينه ودنياه من بيان الحلال والحرام، والمعايش والمنطق وغير ذلك. وهو اختيار شيخ المفسرين -الإمام ابن جرير- رحمه اللَّه.
وقوله تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ فيه أقوال متكاملة.
١ - قال ابن عباس: (بحساب ومنازل يرسلان). وقال: (يجريان بعدد وحساب).
وقال قتادة: (بحساب وأجل). وقال: (يجريان في حساب).
والمقصود: الشمس والقمر بحسبان ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها.
٢ - قال ابن زيد: (﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ قال: يحسب بهما الدهر والزمان، لولا النهار والليل والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئًا. لو كان الدهر ليلًا كله، كيف يحسب، أو نهارًا كله كيف يحسب).
٣ - قال الضحاك: (﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ قال: بقدر يجريان).
قلت: فجميع ما ذكر يدخل في مفهوم الآية، فإن الشمس والقمر آيتان عظيمتان من آيات اللَّه، يجريان متعاقبين بحساب دقيق لا يضطرب ولا يختلف.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
٢ - قال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦].
والحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابًا وحسبانًا، وقيل: إنه جمع حساب.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذَرّ: [أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يومًا: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: إنّ هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت