وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [خُلِقَت الملائكة من نورٍ، وخُلِقَ الجانُّ من مارج من نارٍ، وخُلِق آدمُ مما وُصِفَ لكم] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان؟
وقوله: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ﴾. أي: مشرق الشمس في الشتاء، ومشرقها في الصيف.
وقوله: ﴿وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾. يعني: مغربي الشمس في الصيف والشتاء.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ [المزمل: ٩].
والمراد جنس المشارق والمغارب.
٢ - قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠].
والمراد هنا اختلاف مطالع الشمس على مرور العام، وبروزها للناس كل يوم من سمت في الأفق حسب تنقل الأيام.
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي هذه النعم والمصالح المستفادة من اختلاف هذه المشارق والمغارب للخلق من الجن والإنس تكذبان معشر الثقلين؟ !
وقوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾. - مَرَج: خلّى وأرسل. قال ابن عباس: (أي أرسلهما). وقال ابن زيد: (﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ أي منعهما أن يلتقيا، بما جعل بينهما من البرزخِ الحاجز الفاصل بينهما).
قال ابن كثير: (والمرادُ بقوله: ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾، المِلْحَ والحُلّوَ، فالحُلْو هذه الأنهار السَّارحة بين الناس). وهو كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣].
وقوله تعالى: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾. قال مجاهد: (بينهما حاجز من اللَّه، لا يبغي أحدهما على الآخر). وقال أيضًا: (لا يختلطان).
والمقصود: جعل اللَّه بينهما حاجزًا من الأرض فلا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة، ومن ثمّ فكل واحد منهما محفوظ في صفته وطبيعته.