الرِّيِّ من الماء). وقال قتادة: (خضراوان من الريّ ناعمتان). وقال: (إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد). وقال محمد بن كعب: (﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾: ممتلئتان من الخضرة).
والمقصود: إنهما جنتان تكاثفت الخضرة فيهما فانعكست بالنضارة في الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض.
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ أي: فبأي أمثال هذا النعيم الخلاب في جنان اللَّه التي أعدّها للمتقين -معشر الثقلين- تكذبان؟ !.
وقوله تعالى: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾. قال ابن عباس: (أي فَيَّاضتان). وقال الضحاك: (أي: ممتلئتان لا تنقطعان). ولا شك أن الجري أقوى من النَّضْخ، وهو الموصوف في أولى الجنتين: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾، فهاتان دونهما.
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾. أي: وفي هاتين الجنتين فاكهة ونخل ورمّان. وقال في الجنتين السابقتين: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾، وهوَ أشمل. قال ابن كثير: (ولا شك أن الأولى أعمّ وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكِهة، وهي نكرة في سياق الإثبات لا تَعُمُّ. ولهذا فُسِّر قوله: ﴿وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ من باب عطف الخاص على العام، كما قرّره البخاري وغيره، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرَفهما على غيرهما).
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾.
خَيْرات: جمع خَيْرَةٍ، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخُلق الحسنة الوجه. وقيل: "خَيَّرات" بمعنى خيرات فخفِّف. قال قتادة: (﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق، حسان الوجوه). وقال ابن زيد: (الخيرات الحسان: الحور العين).
قال الحكيم الترمذي -صاحب نوادر الأصول-: (فالخيرات ما اختارهنّ اللَّه فأبدع خلقهن باختياره، فاختيار اللَّه لا يشبه اختيار الآدميين). وقال القرطبي: (ثم قال: ﴿حِسَانٌ﴾ فوصفهن بالحسن، فإذا وصف خالق الحسن شيئًا بالحسن فانظر ما هناك).
يروي الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية" بسند حسن، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنّ أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن باحسن أصوات ما سمعها أحدٌ قط، إنَّ مما يغنين: نحن الخيِّرات الحسان،