وقال ابن زيد: (ظل الدخان دخان جهنم).
والمقصود: أنهم يفزعون من شديد السَّموم إلى الظل فإذا هو ظل من يحموم، أي من دخان جهنم الأسود المحرق.
وفي التنزيل نحو ذلك: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ٢٩ - ٣٤].
وقوله تعالى: ﴿لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾. قال قتادة: (لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر).
وعن الحسن: (ليس طيّب الهُبوب ولا حسن المنظر).
والمقصود: فزعوا إلى ظل ﴿لَا بَارِدٍ﴾ بل هو حار، لأنه من دخان شفير جهنم. ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾ أي وما هو بعذب. وكل ما لا خير فيه فليس بكريم - كذا في كلام العرب.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾. هو سرّ بلوغهم ذلك المقام المهين، وذلك الخزي العظيم. فلقد استحقوا هذه العقوبة لأنهم كانوا في الدنيا مُتَنَعِّمِين بالحرام. قال ابن عباس: (﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ يقول: منعمين).
والمترف: المنعَّم. وقال السّدي: (﴿مُتْرَفِينَ﴾ أي مشركين).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ﴾. قال مجاهد: (يُصِرّون: يدمنون).
وقال ابن زيد: (الحنث العظيم: الذنب العظيم. قال: وذلك الذنب العظيم الشرك، لا يتوبون ولا يستغفرون).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾. أي قد جمعوا إلى الشرك الكفر بالبعث والحساب، وإنكار المعاد والقيامة.
وقوله تعالى: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)﴾. استبعاد أكبر لبعث الآباء والأجداد.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾. أي: قل لهم -يا محمد- إن الأولين من آبائكم والآخرين منكم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا نُغادر منهم أحدًا. قال ابن كثير: (﴿لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ أي مُؤقَّت بوقت مُحَدَّد، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص). قال القرطبي: (ومعنى الكلام القَسَم، ودخول اللام في قوله تعالى: ﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ هو دليل القسم في المعنى، أي إنكم لمجموعون قَسَمًا حَقًا خلاف قسمكم الباطل).