وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)}.
في هذه الآيات: امتنانُ اللَّه تعالى على عباده بنعمة الخلق لهم، وللماء الذي يعقب التناسل بينهم، وللزرع وماء الشرب والنار التي يوقدون عليها طعامهم.
فقوله تعالى: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾. تقرير من اللَّه تعالى للمعاد، وتكذيب لأهل الزَّيغ والإلحاد. الذين استبعدوا البعث بقولهم: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾. قال ابن كثير: (﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾، أي: نحق ابتدأنا خَلْقَكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، أفليس الذي قدر على البَدْأةِ بقادر على الإعادة بطريق الأَوْلى والأحرى، فلهذا قال: ﴿فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ﴾، أي: فهلا تُصَدِّقُون بالبعث! ).
وقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾. حجة أخرى على المشركين منكري البعث والحساب، فإن اللَّه تعالى متصف بالخلق دومًا وقد أنشأكم من ماء مهين. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث: أفرأيتم أيها المنُكرون قُدرة اللَّه على إحيائكم من بعد مماتكم النطف التي تمنون في أرحام نسائكم، أأنتم تخلقون تلك أم نحن الخالقون).
وقوله تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ الآية.
قال مجاهد: (﴿قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾: المستأخر والمستعجل). قال القاسمي: (أي كتبنا على كل نفس ذوقَه. أي: ومن كان سبيله ذلك، فشأنه أن يرهب من نزوله، ويتأهَّب لما يخوّف به من بعده. والجملة مقررة لما قبلها بإيذان أنهم في قبضة القدرة، فلا يغترون بالإمهال، بدليل ما قدره عليهم من الموت. وفي قوله تعالى: ﴿بَيْنَكُمُ﴾ زيادة تنبيه، كأنه بين ظهرانيهم، ثم أكّد ما قرره بقوله تعالى: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي بمغلوبين ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾ أي بعد مهلككم، فنجيء بآخرين من جنسكم ﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من صور وأشكال أخرى، فكيف نعجز عن إعادتكم؟ ).
وقوله: ﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. قال مجاهد: (في أي خلق شئنا).
قال النسفي: (وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها، يعني أنا نقدر على الأمرين جميعًا: على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم، فكيف نعجز عن إعادتكم! ).
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ﴾. قال مجاهد: ({النَّشْأَةَ