موضِعها، وللعرب شجرتان، إحداهما: المَرْخُ، والأخرى: العَفَار، إذا أُخِذَ منهما غصنان أخضران فَحُكَّ أحدُهما بالآخر تناثَرَ مِن بينهما شَرَرُ النار).
وقوله: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾. أي: نحن جعلنا نار الدنيا موعظة للنار الكبرى في الآخرة. قال مجاهد: (﴿تَذْكِرَةً﴾: للنار الكبرى التي في الآخرة).
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [نارُكُم جُزْءٌ مِنْ سبعين جُزْءًا من نار جهنم. قيل: يا رسول اللَّه، إنْ كانت لكافِيةٌ، قال: فُضِّلَت عليهن بِتسعةٍ وستين جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرّها] (١).
وقوله: ﴿وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾. قال ابن عباس: (المقوين: المسافرين). وقال الضحاك: (أي منفعة للمسافرين، سمّوا بذلك لنزولهم القَوَى وهو القفر).
وقال الفرّاء: (إنما يقال للمسافرين: مُقْوين إذا نزلوا القِىّ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها). وفي لغة العرب: منزلٌ قَوَاء: لا أنيس به، وأَقْوَت الدار وقَوِيت إذا خلت من سكانها. وأقوى الرجل إذا سافر، أي نزل القَواء والقِيّ. وقال مجاهد: (﴿وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾: للحاضر والمسافر، لكل طعام لا يُصْلِحه إلا النار). وقال أيضًا: (المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار باللَّه منها). وقال ابن زيد: (للجائعين في إصلاح طعامهم).
قلت: ويبدو أن الآية تصلح للجميع، لأن النار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير، والعرب تقول: بات فلان القَواء وبات القفرَ إذا بات جائعًا على غير طُعْم. قال القشيري: (وخص المسافر بالانتفاع بها لأن انتفاعه بها أكثر من منفعة المقيم، لأن أهل البادية لابد لهم من النار يوقدونها ليلًا لتهرب منهم السباع، وفي كثر من حوائجهم).
وقوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾. أي: فنزه اللَّه الذي خلق الأضداد: الماء العذب والماء الأجاج، فجعل هذا في الأنهار وذاك في البحار، وخلق النار فجعلها في الدنيا مصلحة للعباد، وجعلها كذلك زاجرًا لهم في المعاد.
فعظّم ربك -يا محمد- ونزهه عما أضافه إليه المشركون من الأنداد، والعجز عن البعث يوم التناد.