قلت: وأما من ذهب إلى أن المراد منع المحدث أو الجنب أو الحائض من مسّ المصحف فإن الآية ليست في هذا السياق من جهة، والأحاديث في ذلك كلها ضعيفة من جهة أخرى. ويدحضها قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [المؤمن لا ينجس].
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: [أنه لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانْسَلَّ فذهب فاغتسل، فتفقّدَه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول اللَّه، لقيتَني وأنا جُنُبٌ فكرِهْتُ أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سبحان اللَّه، إن المؤمن لا ينجس] (١).
وفي صحيح مسلم أيضًا عن حذيفة، أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقيه وهو جُنُبٌ، فحادَ عنه فاغْتَسل، ثم جاء فقال: كنتُ جُنُبًا قال: [إن المُسْلِمَ لا ينجُس] (٢).
وفيه عن عائشة قالت: [كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يذكر اللَّه على كل أحيانِه] (٣).
وأما ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم: [أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعَمْرو بن حزم: أن لا يمَسَّ القرآنَ إلا طاهر] (٤).
فمفهومه أن أهل القرآن هم أهل الطهارة، فأما المؤمن فلا ينجس، ومن ثمّ فلا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عمر: [أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو] (٥).
وقد روي عن أبي حنيفة جواز مسّ المحدث المصحف، وكذلك عن جماعة من السَّلف منهم ابن عباس والشَّعبي وغيرهما.
وقوله تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. قال جابر بن زيد: (القرآن من ذلك الكتاب).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٣٧٢)، كتاب الحيض. الباب السابق.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٣٧٣)، كتاب الحيض. باب ذكر اللَّه تعالى في حال الجنابة وغيرها.
(٤) حديث صحيح. أخرجه مالك في الموطأ (١/ ١٩٩)، ورواه أبو داود من حديث الزهري.
(٥) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٩٩٠)، ومسلم (١٨٦٩)، وأبو داود (٢٦١٣)، وأحمد (٢/ ٧)، وابن حبان (٤٧١٣)، وغيرهم.