بغير ذلك، ولكن اجتمعا في وقت النزول، فذكر الجميع من أجل ذلك، كما ذكر النووي عن ابن الصلاح.
وقد ورد هذا المعنى كذلك في الصحيحين من حديث زَيْد بن خالدٍ الجُهَنيّ قال: [صلّى لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثْرِ سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمِنٌ بي وكافر، فأما من قال: مُطِرْنا بفضل اللَّه ورحمته فذلك مؤمن بي كافرٌ بالكوكب، وأما مَنْ قال: بنَوْءِ كذا وكذا، فذلك كافِرٌ بي ومؤمنٌ بالكوكب] (١).
٨٣ - ٨٧. قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)﴾.
في هذه الآيات: وصفُ لحظة الغرغرة والفراق، وعجز الحاضرين أمام المحتضر عن إنقاذ الروح من اللحاق.
فقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾. أي: فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم عند الاحتضار، والحلقوم ممر الطعام والشراب. كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: ٢٦ - ٣٠].
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾. قال ابن عباس: (يريد من حضر من أهل الميت ينتظرون متى تخرج نفسه). قال ابن كثير: (﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾، أي: إلى المحتضر وما يُكابده من سكرات الموت). وقال القرطبي: (﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ أمري وسلطاني. وقيل: تنظرون إلى الميّت لا تقدرون له على شيء. وقيل: المعنى فهلّا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده، مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه. وهذا ردّ لقولهم: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٨٤٦)، كتاب الأذان، وكذلك (١٠٣٨)، وأخرجه مسلم (٧١)، ومالك (١/ ١٩٢)، وأحمد (٤/ ١١٧)، وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon