وقد كذب عدو اللَّه، فقد كان متحققًا من صدق موسى في نبوته ورسالته كما قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]. وكقوله تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢].
قال النسفي: (﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾: ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئًا ولا أسرّ عنكم خلاف ما أظهر. يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، وقد كذب فقد كان مستشعرًا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام، ولكنه كان يتجلد، ولولا استشعاره لم يستشر أحدًا ولم يقف الأمر على الإشارة).
وهذا المنهاج الذي مضى عليه فرعون في الغش لرعيته والكذب في حقهم هو مصدر خزي وفضيحة له ولأمثاله من الحكام الطغاة يوم القيامة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، منها:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن مَعْقِل بن يسار قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [ما مِنْ عَبْدٍ يسترعيه اللَّه رَعِيَّةً فلم يَحُطها بِنُصْحِهِ إلا لم يَجِدْ رائحةَ الجنة] (١).
وفي لفظ: [ما من والٍ يلي رَعِيَّةً من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرَّم اللَّه عليه الجنة].
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إذا جمع اللَّه الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرْفعُ لكل غادر لِواءٌ، فقيل: هذه غَدْرَةُ فلانِ بنِ فلان] (٢).
وفي لفظ آخر من حديث أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لكل غادر لواء يوم القيامة يُرْفَعُ له بَقدْرِ غَدْرِه، ألا ولا غادِرَ أعظَمُ غَدْرًا من أمير عامّة].
الحديث الثالث: أخرج مسلم من حديث عائذ بن عمرو مرفوعًا: [إنَّ شَرَّ الرِّعَاء الحُطمة، فإياك أن تكون منهم] (٣).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧١٥٠) - (٧١٥١)، كتاب الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح. ورواه مسلم في الصحيح (١٤٢١).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٧٣٥) - كتاب الجهاد. باب تحريم الغدر. وانظر كذلك الحديث (١٧٣٨) للفظ الآخر.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٣٠) - كتاب الإمارة. باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم.


الصفحة التالية
Icon