المؤمنين أحياء يناكحونهم، ويغشَوْنهم، ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتًا، ويُعْطَوْنَ النور جميعًا يوم القيامة، فيطفأُ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويُمازُ بينهم حينئذ). وقال بعض السَّلف: (أي: فتنتُم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات).
وقوله: ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾. أي: بالمؤمنين الدوائر. قال قتادة: (يقول: تربَّصُوا بالحق وأهله). وقيل: أخّرتم التوبة وسوّفتم فيها.
وقوله: ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾. أي: شككتم في التوحيد والوحي والنبوة والبعث بعد الموت. قال قتادة: (يقول: وشككتم في توحيد اللَّه، وفي نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-).
وقوله: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ أي: الأباطيل والآمال الكاذبة الواهية. قال ابن عباس: (الدنيا). وقال قتادة: (كانوا على خدعة من الشيطان، واللَّه ما زالوا عليها حتى قذفهم اللَّه في النار). وقال أبو سنان: (هو قولهم سيُغْفَرُ لنا). وقيل: غرّهم طول الأمل. وقيل: هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم. وقال بلال بن سعد: (ذكرك حسناتِك ونسيانك سيئاتك غِرّة).
وقوله: ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾. يعني حتى نزل بكم الموت. وقيل: حتى جاء نصر اللَّه لنبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين. وقال قتادة: (﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾: إلقاؤهم في النار).
وقوله: ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾. قال مجاهد: (أي الشيطان). وقرأ أبو حَيوة ﴿الْغَرُورُ﴾ بضم الغين يعني الأباطيل، وهو مصدر. والقراءة بالفتح أشهر. قال ابن جرير: (يقول: وخدعكم باللَّه الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته، والسلامة من عذابه).
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: [خَطَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطًّا مُرَبَّعًا، وخَطَ خَطًّا في الوسَط خارِجًا مِنْهُ، وخَطَّ خُطُطًا صِغارًا إلى هذا الذي في الوسَطِ مِنْ جانِبه الذي في الوسط، فقال: "هذا الإنسانُ، وهذا أجَلُه محيطٌ به -أو قد أحاط به- وهذا الذي هو خارجٌ أمَلُهُ، وهذه الخُطَطُ الصّغارُ الأعراضُ، فإنْ أخْطأه هذا نَهَشَهُ هذا، وإنْ أخطأه هذا نهشَه هذا"] (١).
وأخرج أحمد في المسند عن علي بن زيد: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٦٤١٧) - كتاب الرقاق، وانظر كذلك (٦٤١٨).


الصفحة التالية
Icon