تحت ظلِّ رمحي، وجعلت الذلَّة والصَّغار على من خالف أمري، ومن تَشَبَّهُ بقوم فهو منهم] (١).
وأخرج النسائي وابن ماجة بسند حسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [حَدٌّ يُعْمَلُ به في الأرض، خَيْرٌ لأهل الأرض مِنْ أَنْ يُمطروا أربعين صباحًا] (٢).
قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه -معلقًا على هذا الحديث-: (وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو، كما يدل عليه الكتاب والسنة، فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة اللَّه ونقصت معصية اللَّه تعالى، فحصل الرزق والنصر) (٣).
قلت: فإن حمل الناس على الوقوف عند حدود اللَّه وتعظيم حرمات اللَّه هو من مقاصد الحكم في الإسلام، ومن ثمّ فإن تشريع الحدود إنما جاء لتحقيق هذا الهدف النبيل، وإنما تحمل العقوبات الشرعية الخير للناس في دنياهم وأخراهم. وبعض الناس لا يصلح إلا بالقوة، وبعضهم لا يصلحه إلا اللين والسماحة، وبين الفئتين قوم ينفع معهم تحكيم الميزان. فكان في الكتاب والميزان والحديد ما يغطي أحوال الناس وطبائعهم وسلوكهم.
وقوله: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾. قال ابن كثير: (أي: في معايشهم كالسِّكة والفَأس والقَدوم، والمِنشار، والإزْميل، والمجْرفة، والآلات التي يُستعان بها في الحِراثة والحِياكة والطبخ والخَبْز، وما لا قَوام للناس بدونه، وغير ذلك).
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾. اختبار اللَّه تعالى عباده في غاية حمل السلاح. والآية عطف على محذوفٍ دلّ عليه ما قبله. والتقدير: أنزل اللَّه سبحانه الحديد لينتفعوا به، ويستعملوه في الجهاد، وليعلم اللَّه من يصدق نصر اللَّه ورسله عند البأس. أو يكون التقدير: أنزل اللَّه تعالى الكتاب والميزان والحديد اختبارًا لعباده في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

(١) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٥٠)، (٢/ ٩٢)، والطحاوي في "المشكل" (٢٣١)، وابن أبي شيبة (٥/ ٣١٣)، وله شواهد.
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٢/ ١١١)، والنسائي (٢/ ٢٥٧)، وأحمد (٢/ ٤٠٢)، وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (٢٨٧/ ١). وانظر السلسلة الصحيحة (٢٣١).
(٣) انظر: "السياسة الشرعية" -ابن تيمية- ص (٦٨). وكتابي: "السياسة الشرعية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة" (١٦٦ - ١٦٨).


الصفحة التالية
Icon