فقد كان القراء السبعون الذين غُدِرَ بهم في بئر معونة من خيار المسلمين، يحتطبون بالنهار ويتصدقون من ذلكَ على أهل الصفة، ويقومون بالليل يصلون ويسبحون، ويتدارسون بينهم القرآن. ففقدهم المسلمون في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة.
وقد فرح المنافقون واليهود في المدينة بما حصل، وبدأت حركات المكر والدّس والخداع، وكان اليهود قد أسهموا في تقديم المعلومات إلى قريش عن المسلمين، وشاركوا في تحريضها واستثارتها لتأتي إلى قتال أُحُد.
قال ابن إسحاق: (كانت النضير قد دسّوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودلّوهم على العورة).
وكان اليهود أيضًا قد أعانوا أبا سفيان من قبل في غزو أطراف المدينةِ حيث جاءها ليلًا، والتي أدت لمطاردة المسلمين له في غزوةِ السويق بعد بدر، بعدما فرّ هو وأصحابه متخففين من السويق أثناء الهروب.
أضف إلى ذلكَ تلك الأشعار الخبيثة التي أطلقها كعب بن الأشرف النضري، والتي أفلت بها لسانهُ وبسطه في أعراض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه ونساء المسلمين، والتي كانت سببًا لتصفيته وتخليص الأرض من رجسه.
أضف إلى ذلكَ أيضًا محاولتين جديدتين من يهود بني النضير في هذه الفترة، للغدر وقتل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من خلال طرق شيطانية وأساليب خسيسة، هي جزء من منهج اليهود المكرة والمغضوب عليهم، والذي عُرفوا به على مدار العصور والأزمان.
المحاولة الأولى: محاولة من بني النضير لاغتيال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد غزوة بدر الكبرى.
وكان ذلكَ إثر كتاب بعثت به قريش إليهم، فيه تهديد ووعيد، إن لم يقاتلوا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ويجتمعوا على قتله.
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [كتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحَلْقَةِ والحصون، وإنكم لتقَاتِلُنَّ صاحبنا، أو لنَفْعَلَنَّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء -وهي الخلاخيل- فلما بلغ كتابُهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أجمعت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابكَ، وليخرج منا ثلاثون حَبْرًا، حتى نَلْتقي بمكان المَنْصَفِ -أي موضع وسط- فيسمعوا منك، فإن