وبالفعل، فما إن بلغ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جواب حيي بن أخطب إلا كَبَّرَ وَكبَّرَ أصحابهُ، ثم نهض لمناجزة القوم، وأعطى اللواء إلى علي بن أبي طالب.
قال ابن هشام: (واستعمل على المدينة ابن أمِّ مكتوم). وقال ابن إسحاق: (ثم سار بالناسِ حتى نزل بهم).
ولما انتهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بني النضير، وجدهم قد لجؤوا إلى حصونهم وتحصَّنوا بها، فما إن أبصروا الجيش إلا بدؤوا يرمون المسلمين من داخل حصونهم بالنّبل والحجارة، تعينهم في ذلك وتغطيهم بساتينهم ونخيلهم، وهنا أصدر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أوامرهُ إلى جنده بقطع النخيل وتحريقها.
قال ابن إسحاق: (فنادوه: أن يا محمد، قد كنتَ تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صَنَعهُ، فما بالُ قطع النخيل وتحريقها).
إلا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأبه لهذه الحركات الشيطانية، والدعايات الصبيانية من يهود، بل مضى في إصدار أوامره لأصحابهِ، فهو يعلم أن اليهود قوم غدر مكرة، لا ينفع معهم إلا السيف والحسم.
يروي أبو داود بسند صحيح عن عبد الرحمن بن كعب، عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [فلما كانَ الغد، غدا عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: إنكم واللَّهِ لا تأمنون عِندي إلا بعهد تُعاهدوني عليه، فأبوا أن يعطوهُ عهدًا، فقاتلهم يومهم ذلك. ثم غدا على بني قريظةَ بالكتائب، وتركَ بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه. فانصرف عنهم، وغدا على بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النضير لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، أعطاه اللَّه إياها، وخصّه بها، فقال: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ يقول: بغير قتال، فأعطى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثرها للمهاجرين، وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة، لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، التي في أيدي بني فاطمة] (١).
فأذاقهم اللَّه الخزي في الدنيا، قبل ما ينتظرهم من خزي الآخرة، وخذلهم