وقوله: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾. قال القرطبي: (أي غنيمة في الدنيا ﴿وَرِضْوَانًا﴾ في الآخرة، أي مرضاة ربهم).
وقوله: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾. قال ابن كثير: (أي: هؤلاء الذين صَدَّقوا قولَهم بفعلِهم، وهؤلاء هُم ساداتُ المهاجِرين).
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. مدحٌ للأنصار وثناء عطر عليهم، وبيان لشرفهم وفضلهم وكرمهم. فهم الذين ﴿تَبَوَّءُوا الدَّارَ﴾ أي: سكنوا المدينة. واستوطنوها قبل قدوم المهاجرين إليهم، وآمنوا قبل كثير منهم.
أخرج البخاري في صحيحه عن عَمْرو بن مَيمون قال: قال عمر رضي اللَّه عنه: [أُوصي الخليفة بالمهاجرين الأوَّلين أنْ يَعْرِف لهم حَقَّهم، وأوصي الخليفة بالأنصار الذين تبوؤوا الدارَ والإيمان مِنْ قَبْل أن يُهاجِرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهم ويَعْفُوَ عن مسيئِهم] (١).
وقوله: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾. قال ابن زيد: (هؤلاء الأنصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين).
والمقصود: لقد أظهر الأنصار تألق نفوسهم وما انطوت عليه من الشرف والكرم حتى شاطروا إخوانهم المهاجريات أموالهم، وأنزلوهم منازلهم، ونزل من كان عنده زوجتان عن إحداهما لأخيه من المهاجرين يتزوجها.
ومن كنوز السنة العطرة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن سفيان عن يحيى بن سعيد: [سمع أنسَ بن مالك رضي اللَّه عنه حين خرج معه إلى الوليد قال: دعا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصار إلى أن يُقْطِعَ لهم البحرين، فقالوا: لا إلّا أن تُقْطِعَ لإخواننا من المهاجرين مِثْلَها. قال: إمَّا لا فاصبروا حتى تَلْقَوني، فإنه سيصيبُكم بَعْدي أَثَرَةٌ] (٢).
الحديث الثاني: أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: [قالت الأنصار للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اقسِم بَيْننا وبَيْن إخوانِنَا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفونا المؤونة

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٨٨)، كتاب التفسير، وانظر الحديث (١٣٩٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٣٧٩٤)، كتاب مناقب الأنصار. وانظر (٢٣٧٦).


الصفحة التالية
Icon