أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)}.
في هذه الآيات: وصيةُ اللَّه تعالى عباده المؤمنين أن يَصْدُقُوه التقوى والاستعداد ليوم الدين، ولا يكونوا كالذين نسوا اللَّه فنسيهم وكانوا من الفاسقين. إنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فأصحاب الجنة هم أهل الفوز والنعيم.
فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾. أمر من اللَّه تعالى بتقواه، وليحاسب كل نفسه قبل أن يحاسبه سبحانه، وليجهد بادخار وسعه من العمل الصالح. قال قتادة: (﴿مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ يعني يوم القيامة. ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد، وغدٌ يوم القيامة).
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عند المنذر بن جرير، عن أبيهِ قال: [كنا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صَدْرِ النهار، فجاءَهُ قومٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتابي (١) النِّمار أو العَباءِ، متقلِّدي السُّيوف، عامَّتُهم مِنْ مُضَرَ، بل كُلُّهم مِنْ مُضَر، فتَمَعَّرَ وَجْهُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِمَا رأى بِهم من الفاقَةِ، فدخلَ ثم خَرَجَ، فأمَرَ بلالًا فأذَّنَ وأقامَ، فصلّى ثم خطبَ فقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: ١] إلى آخر الآية. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ والآية التي في الحَشر: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨] تَصَدَّقَ رجُلٌ من ديناره، مِنْ دِرْهَمِه، مِنْ ثوبِه، من صاعِ بُرِّهِ، مِنْ صاعِ تَمرهِ -حتى قال- ولو بشِقِّ تمرةٍ. قال: فجاءَ رجلٌ من الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كَفُّهُ تَعْجِزُ عنها، بل قد عَجَزَتْ، قال: ثم تتابعَ النَّاسُ، حتى رأيتُ كومين مِنْ طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ، كأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسنةً، فلهُ أجرُها، وأجْرُ مَن عَمِلَ بِها بعدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجورهم شيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً، كانَ عليهِ وزْرُها وَوزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوزارهم شيءٌ"] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٠١٧)، كتاب الزكاة. وأخرجه أحمد (٤/ ٣٥٩).