الحديث الرابع: أخرج النسائي وابن حبان بسند حسن عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه، أنّ كعبًا حلف بالذي فلق البحر لموسى: [أنَّ صُهيبًا حدّثه أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: "اللهم ربَّ السماوات السبع وما أظْلَلْنَ، وربَّ الأرضين السبع وما أَقْلَلْنَ، وربَّ الشياطين وما أَضْلَلْنَ، وربَّ الرياح وما أَذْرَيْنَ، إنا نسألك خيرَ هذه القرية وخيرَ أهلها، ونعوذ بك من شَرِّها وشَرِّ أَهلها وشَرِّ ما فيها"] (١).
فهذه الآية مع هذه الأحاديث تثبت وجود الأرضين السبع كما أثبت الوحي من قرآن وسنة وجود السماوات السبع، ومن فسّر الآية من المعاصرين بما يؤول إلى نفي المثلية في العدد اغترارًا بما وصل إليه علم الأوربيين والأمريكان وغيرهم من الرقي وأنهم لا يعلمون سبع أرضين فقد أبعد النُّجْعَة وأغرقَ في النَّزْع وخالف القرآن والحديث بلا مستند. وإنما يقال له: هل علم القوم حقيقة وجود سبع سماوات طباقًا؟ ! الجواب: لا، وإنما هو خبر اللَّه تعالى آمنا به وصدقناه وجاءت به جميع الكتب المنزلة على الرسل. ومن ثم يقال لهؤلاء: أفننكر كلام اللَّه وكلام رسوله بجهل الأوربيين وأقرانهم، مع اعترافهم أنهم كلما ازدادوا علمًا بالكون ازدادوا علمًا بجهلهم به، وصدق اللَّه العظيم القائل: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦]، والقائل: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥].
وقوله: ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾. قال مجاهد: (يتنزل الأمر من السماوات السبع إلى الأرضين السبع). والأمر هنا الوحي أو القضاء والقدر.
وفي قوله تعالى: ﴿بَيْنَهُنَّ﴾ إشارة إلى ما بين الأرض السُّفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. وقيل: ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ بحياة بعض وموت بعض وغِنى قوم وفقر قوم. وقيل: هو ما يُدَبَّرُ فيهن من عجيب تدبيره، فَيُنزل المطر ويُخرج النبات ويأتي بالليل والنهار، والصيف والشتاء، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها، فينقلهم من حال إلى حال.
وقوله: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. قال القرطبي: (يعني أن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر، ومن العفو والانتقام أمكن، وإن استوى كل ذلك في مقدوره ومُكْنَته).