لا تناله الدلاء، ولا الفؤوس الحداد، ولا السواعد الشداد. قال القرطبي: (وكان ماؤهم من بئرين: بئر زمزم وبئر ميمون).
وقوله: ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾. إظهار بديع لرحمة اللَّه في خلقه، لعل المشركين يكفرون بالطواغيت ويعظمون أمره، وينصرفون إلى امتثال شرعه!
قال ابن عباس: (﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ يقول: بماء عذب). وقال قتادة: (الماء المعين: الجاري). وقال سعيد بن جبير: (الظاهر). وفي رواية أخرى عن ابن عباس: (﴿بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ أي ظاهر تراه العيون).
وبناء على ذلك فإن ﴿مَعِينٍ﴾ أي ظاهر تراه العيون، فهو مفعول، أو هو من مَعَن الماء إذا كثُر فهو على وزن فعيل، أي هو كثير جار ونابع وسائح على وجه الأرض.
والمقصود: لابد لهم أمام هذا القرع الرائع أن يقولوا إنما يأتينا به اللَّه، فقل لهم يا محمد: فلم تشركون به من لا يقدر على التحكم بمياهكم وآباركم وينابيعكم! وليس له أمر إجرائها في سائر أقطار البلاد، حسب حاجة البهائم والعباد.
أخرج الحاكم على شرط الشيخين عن ابن عباس قال: [ما مِن عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن اللَّه يصرفه بين خلقه حيث يشاء، ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الفرقان: ٥٠]] (١).
وله شاهد عند البغوي عن ابن مسعود يرفعه: [ليس من سنة بأمَرَّ من أخرى، ولكن اللَّه قسم هذه الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حوّلَ اللَّه ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف اللَّه ذلك إلى الفيافي والبحار] (٢).
تم تفسير سورة الملك بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه عصر الأحد ١١ شوال ١٤٢٦ هـ الموافق ١٣/ تشرين الثاني/ ٢٠٠٥ م
(٢) صحيح مرفوع. أخرجه البغوي في "معالم التنزيل" (٦/ ١٨٤ - منار). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ج (٥) ص (٥٩٣). وقوله: "بأمَرّ" أي بأسوأ.