ثم وصفه بقوله: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾. ليجمع بهذا الوصف ساقط الصفات وذميم الأخلاق، فإن العتل هو الجافي الشديد في كفره، وكل شديد قوي تسميه العرب عتلًا.
قال ابن عباس: (العتل: العاتل الشديد المنافق). وقال الحسن: (فاحش الخلق لئيم الضريبة).
وعن وهب الذَّماري قال: (تبكي السماء والأرض من رجل أتم اللَّه خلقه، وأرحب جوفه، وأعطاه مِقْضَمًا من الدنيا، ثم يكون ظلومًا للناس، فذلك العتل الزنيم).
والزنيم في كلام العرب هو الملصق بالقوم وليس منهم. قال ابن عباس: (والزنيم الدعيّ). وقال عكرمة: (الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها). وقيل: كانت في أذن الأخنس زنمة يعرف بها.
وقد أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديثه أن مثل هذه الصفات هي صفات مَنْ أبغضه اللَّه وَوَعَدَهُ عذابه ونيرانه.
فقد أخرج البخاري عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كُلُّ ضعيف متضعف، لو أقسم على اللَّه لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار؟ كُلُّ عتل جَوّاظ مستكبر] (١).
وروى البيهقي وابن حبان بسند جيد عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ اللَّه يبغض كل جعظري جوّاظ، سخّاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة] (٢).
والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبِّر، والجواظ هو الجموع المنوع الأكول.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾. أي: أفي مقابلة إنعام اللَّه تعالى عليه بالمال والولد، أعلن الكفر وكذب بالوحي واتّهم التنزيل أنه مأخوذ من أساطير الأولين؟ !
(٢) حديث صحيح. أخرجه البيهقي وابن حبان. انظر صحيح الجامع الصغير -حديث رقم- (١٨٧٤)، والمرجع السابق (١/ ٢٥٦).