نزول الانتقام من اللَّه رب العالمين، وبقاء الأمل باللَّه بعد التوبة من الظلم فإن العذاب الحقيقي هو عذاب الجحيم.
فقوله: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ الآية. قال ابن جرير: (أي بلونا مشركي قريش، يقول: امتحناهم فاختبرناهم، ﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ يقول: كما امتحنا أصحاب البستان ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ يقول: إذ حلفوا ليصرمُنّ ثمرها إذا أصبحوا). وقال ابن كثير: (هذا مثل ضربه اللَّه لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النِّعم الجسيمة، وهو بِعْثَةُ محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقابلوه بالتكذيب والردِّ والمحاربة، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾، أي: اختبرناهم، ﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾، وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه، ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾، أي: حلفوا فيما بينهم ليجذُّن ثمرَها ليلًا، لِئلا يعلَم بهم فقير ولا سائل، ليتوفَّرَ ثمرُها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾. قيل: ولا يقولون إن شاء اللَّه. قلت: والأرجح أن يقال: ولا يستثنون أحدًا من الفقراء بل يحرمون الكل. فإنه لا معنى لمن بيَّت ذلك الاستثناء بقول: إن شاء اللَّه.
وقوله تعالى: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾. قال ابن عباس: (طاف عليها أمر من اللَّه وهم نائمون). والمقصود: نزل بها بلاء أو آفة سماوية.
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾. قال ابن عباس: (الصريم: الليل). أي: فأصبحت كالليل الأسود. وقال الثوري والسّدي: (مثل الزَّرع إذا حُصِدَ، أي: هَشيمًا يَبَسًا). والصريم في لغة العرب: المجدود المقطوع، كما يطلق على الليل المظلم لأنه يقطع بظلمته عن التصرف. والمقصود: احترقت الأرض واسودت كالليل المظلم، أو صُرِمَ عنها الخير: أي قطع وهلك ثمرها وشجرها.
وقوله تعالى: ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ﴾. أي: نادى بعضهم بعضًا عند الصباح ليذهبوا إلى الجِذاذِ. وقوله تعالى: ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾. أي: باكروا بالخروج إلى زرعكم إن كنتم تريدون الحصاد. قال القاسمي: (﴿إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ أي قاصدين قطع ثمارها). وقد قطعها البلاء من أصلها بالليل وهم لا يشعرون.
وقوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾. قال قتادة: (يُسِرّون). أي خرجوا بكرة وهم