٢٥ - ٢٨. قوله تعالى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)﴾.
في هذه الآيات: إغراقُ اللَّه قوم نوح الكافرين بالطوفان، ليدخلوا بعد ذلك عذاب نار القبر ضريبة الآثام. ودعاء نوح ربه إهلاك مَنْ في الأرض مِن الكافرين، والمغفرة له ولوالديه ولجميع المؤمنين.
فقوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾. أي: فمن إصرارهم على الكفر ومخالفة رسولهم أغرقوا بالطوفان ثم أدخلوا في النيران. قال سفيان: (﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا﴾ قال: بخطيئاتهم أُغرقوا). وقال الفراء: (المعنى: من أجل خطاياهم). وقال القرطبي: (﴿مَا﴾ صلة مؤكدة، والمعنى من خطاياهم. ﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ أي بعد إغراقهم).
قال القشيريّ: (وهذا يدل على عذاب القبر). وقال ابن كثير: (﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾، أي: نُقِلوا من تَيَّار البحار إلى حرارة النار). قلت: والقول بأنه عذاب القبر قبل عذاب جهنم قول سديد.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧].
وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث البراء: [فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسمومها ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه...] الحديث (١).