التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعًا مِنْ بَعْد فريضة] (١).
الحديث الثاني: أخرج أبو داود بسند جيد عن ابن عباس قال: [لما نزلت أولُ المزّمل كانوا يقومون نحوًا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخِرُها، وكان بين أولها وآخِرها سنة] (٢).
الحديث الثالث: أخرج ابن جرير في "التفسير" بسنده عن أبي عبد الرحمن قال: [لما نزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ قاموا حولًا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، حتى نزلت: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ فاستراح الناس] (٣).
وأما قوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾. فهو استثناء من الليل. قال القرطبي: (أي صلّ الليل كله إلا يسيرًا منه، لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن، فاستثنى منه القليل لراحة الجسد. والقليل من الشيء ما دون النصف).
وقوله تعالى: ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾. قال ابن كثير: (﴿نِصْفَهُ﴾: بَدَلٌ من الليل، ﴿أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾، أي: أمرناك أن تقومَ نصفَ الليل بزيادة قليلة أو نُقْصانٍ قليل، لا حَرَجَ عليك في ذلك).
قلت: وقد جاء الأمر بالتخفيف في آخر هذه السورة رحمة من اللَّه بنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين.
فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن ابن عباس: [قال في المزمل: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ﴾ نسختها الآية التي فيها: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: ٢٠]] (٤).
وقوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾. الترتيل: التنضيد والتنسيق وحسن النظام.
والمقصود: لا تعجل -يا محمد- بقراءة القرآن، بل اقرأه في تمهل وتعقل وبيان، وتدبّر للمعاني والعبر والأحكام.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (١٣٠٥)، كتاب الصلاة. أبواب قيام الليل. باب نسخ قيام الليل. وانظر صحيح سنن أبي داود (١١٥٧).
(٣) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (٣٥١٧٧). وانظر كتابي: السيرة النبوية (١/ ٢٢٦) لتفصيل البحث.
(٤) حديث حسن. أخرجه أبو داود (١٣٠٤)، أبواب قيام الليل. باب نسخ قيام الليل.