وفي المسند ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا: [الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي ربِّ مَنَعْتُه الطعامَ والشهواتِ بالنهار فشفعني فيه. يقول القرآن: ربِّ مَنَعْتُه النومَ بالليل فشفعني فيه، فَيُشفَعان] (١).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾.
يقال نشأ: إذا قام من الليل. قال مجاهد: (إنما الناشئة القيام بالليل بعد النوم). وفي الصحاح: (ناشئة الليل أول ساعاته، وقيل ما ينشأ فيه من الطاعات) ذكره الرازي. وعن قتادة: (﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾: أي أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ). وقال مجاهد: (يواطئُ سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضًا). وفي سنن أبي داود بسند حسن عن ابن عباس قال: [و ﴿نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ أوله، وكانت صلاتهم لأول الليل. يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض اللَّه عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله: ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾ هو أجدر أن يفقه في القرآن] (٢).
وعن ابن زيد: (﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾: أقوم قراءة لفراغه من الدنيا).
قلت: والمقصود بناشئة الليل ساعاته وأوقاته التي ينهض بها العبد للقيام بين يدي اللَّه عز وجل، فهي ﴿أَشَدُّ وَطْئًا﴾ أي أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة. فقم بها -يا محمد- واؤمر قومك ليقوموا فيها، فإن السكينة والقوة ستنزل على قلوبهم وستصقل بها نفوسهم وعقولهم.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا﴾. أي تصَرُّفًا في حوائجك، وإقبالًا وإدبارًا وذهابًا ومجيئًا. قال مجاهد: (﴿سَبْحًا طَوِيلًا﴾: متاعًا طويلًا).
والسَّبْح: الجري والدوران، ومنه السابح في الماء، لتقلبه بيديه ورجليه.
وقيل: السبح الفراغ. أي إن لك فراغًا للحاجات بالنهار.
ففي سنن أبي داود بسند حسن عن ابن عباس قال: [وقوله: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا﴾ يقول: فراغًا طويلًا] (٣).
(٢) حديث حسن. أخرجه أبو داود في السنن -حديث رقم- (١٣٠٤)، أبواب قيام الليل. انظر: صحيح سنن أبي داود -حديث رقم- (١١٥٦).
(٣) حديث حسن. انظر صحيح سنن أبي داود -حديث رقم- (١١٥٦)، أبواب قيام الليل. باب نسخ قيام الليل. وهو خاتمة حديث قد مضى أوله.