الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان. ثمَّ حَمِيَ الوحي وتتابع] (١).
وكذلك في الصحيحين عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ قال: يا أيها المدثر. قلت: يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق. فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما عن ذلك وقلت له مثلَ الذي قلت، فقال جابر: لا أُحَدِّثكَ إلا ما حَدَّثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: [جَاوَرْتُ بحراء فلما قضيت جواري هَبَطْتُ فاستبطنت الوادي فنويت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، (وفي رواية: فإذا هو على العرش في الهواء، يعني جبريل عليه السلام، فأخذتني رجفة شديدة)، (وفي رواية: فإذا هو جالس على كرسي بين السماء والأرض)، (وفي رواية: على عرش بين السماء والأرض) فأتيت خديجة فقلت: دثروني وصُبُّوا عليّ ماء باردًا. قال: فدثروني وصبّوا عليّ ماء باردًا. قال: فنزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] (٢).
وفي التحقيق أن {اقْرَأْ﴾ نزلت قبل ﴿الْمُدَّثِّرُ﴾ لأسباب ذكرها ابن القيم رحمه اللَّه:
الأوّل: أن قوله: "ما أنا بقارئ" صريح أنه لم يقرأ قبل ذلك شيئًا.
الثاني: أن الأمر بالقراءة هو في الترتيب قبل الأمر بالإنذار.
الثالث: أن اجتهاد جابر غيرُ تحديث عائشة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وخبره عن نفسه.
الرابع: أنه جاء في حديث جابر ما يشير إلى أن ﴿اقْرَأْ﴾ نزلت أولًا، وهو قوله عليه السلام: "فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء..." أي يوم نزل عليه أول مرة بـ ﴿اقْرَأْ﴾.
فتكون هذه الآيات هي ثاني ما نزل من القرآن على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾.
والمُدَّثِّر في لغة العرب: من دثَرَ وتَدَثَّرَ أي تَلَفَّفَ في الدثار، وهو كل ما كان من
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٢٢)، ورواه مسلم (١٦١)، ح (٢٥٧)، كتاب الإيمان.