وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾. استدلال على الإعادة بالبدأة.
أي: ألم يكن الإنسان ماء مهينًا في قطرة تمنى في الرحم. والنطفة: الماء القليل، من نطفَ الماء: إذا قطرَ. و ﴿يُمْنَى﴾ أي يراق من الأصلاب فيصب في الأرحام.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾. أي: ثم كان دمًا بعد النطفة فقَدّر الرحمن الخلق فسواه تسوية، وعدّله تعديلًا، بجعل الروح فيه، فجعله ناطقًا سميعًا بصيرًا.
وقوله تعالى: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الإنسان بعد ما سواه خلقًا سويًا أولادًا له، ذكورًا وإناثًا).
وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾. أي: أليس الذي أنشأ هذا الخلق البديع، فبدأ خلق الإنسان من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم صيره إنسانًا، له أولاد ذكور وإناث، ﴿بِقَادِرٍ﴾ أن يعيد الأجسام بالبعث كما كانت عليه في الدنيا؟ فإن الإعادة أهون من الابتداء.
أخرج أبو داود بسند صحيح عن موسى ابن أبي عائشة قال: [كان رجل يُصَلِّي فوق بيته وكان إذا قرأ: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ قال: سبحانك، فبلى، فسألوه عن ذلك فقال: سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (١).
قال أبو داود: قال أحمد: (يعجبني في الفريضة، أن يدعو بما في القرآن).
تم تفسير سورة القيامة بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه غروب شمس يوم السبت ٣/ ذي القعدة/ ١٤٢٦ هـ الموافق ٣/ كانون الأول/ ٢٠٠٥ م
* * *

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٨٨٤) ورجاله رجال البخاري ومسلم، وجهالة الصحابي لا تضر.


الصفحة التالية
Icon