فقال: يا رسول اللَّه! أيُّ الصَّدقة أعظَمُ؟ فقال: أن تَصَدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقر وتأمل الغنى] الحديث (١).
والمراد: أن خير الصدقة ما كان حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتكَ إليه، وهو مفهوم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وأنتَ صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى).
وبعض المفسرين أعاد الضمير في قوله تعالى: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ على اللَّه عز وجل، أي على حبّ اللَّه، والأول أرجح وأنسب للمعنى ولنظيره من الآيات والأحاديث كما سبق بيانه، واللَّهُ تعالى أعلم.
وقوله: ﴿مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾. المسكين هو الفقير ذو الحاجة لا يجد ما يكفيه. واليتيم هو مَنْ فقد أبويه أو أحدهما في حال صغره. والأسير المحبوس. قال مجاهد: (الأسير: المسجون). أو قال: (المحبوس).
وقال قتادة: (لقد أمَرَ اللَّه بالأُسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك)، وقال: (كان أسراهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾. قال مجاهد: (أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه اللَّه من قلوبهم، فأثنى بهِ عليهم ليرغب في ذلكَ راغب).
والمقصود: إنما يطعم هؤلاء الأبرار الفقراء واليتامى والأسارى لوجه اللَّه، فهم لا يتوقعون المكافأة، ولا يريدون ثناء الناس عليهم بذلكَ، علمه اللَّه من قلوبهم فأثنى عليهم بذلك.
وقال تعالى: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾. قال ابن عباس: (﴿عَبُوسًا﴾ ضَيِّقًا، ﴿قَمْطَرِيرًا﴾: طويلًا). وقال مجاهد: (﴿عَبُوسًا﴾، العابس الشفتين: ﴿قَمْطَرِيرًا﴾، قال: تقبيض الوجه بالبُسُور). وقال قتادة: (تعبس فيه الوجوه من الهول، ﴿قَمْطَرِيرًا﴾: تقليصُ الجبين وما بين العينين، من الهول). وقال ابن زيد: (العَبوس: الشرّ، والقمطرير: الشديد).
قلت: والعرب تقول اقمطَرّ اليوم فهو مُقْمَطِرّ إذا كان صعبًا شديدًا. ويوم عبوس أي تعبس فيهِ الوجوه من هوله وشدته. فيكون المعنى: إنا نخاف يومًا ذا عبوس -لكثرة

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (١٠٣٢)، كتاب الزكاة.. باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح.


الصفحة التالية
Icon