لا يصير بولًا نَجِسًا، ولكنه يصير رشحًا من أبدانهم كرشح المسك).
وقال النسفي: (﴿شَرَابًا طَهُورًا﴾ ليس برجس كخمر الدنيا لأن كونها رجسًا بالشرع لا بالعقل ولا تكليف ثمّ، أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة وتدوسه الأقدام الدنسة).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾. قال قتادة: (لقد شكر اللَّه سعيًا قليلًا. قال: غفر لهم الذنب وشكر لهم الحُسْنَى). وقال مجاهد: (﴿مَشْكُورًا﴾ أي مقبولَا). قال القرطبي: (والمعنى متقارب، فإنه سبحانهُ إذا قبل العمل شكره، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل، إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم).
والمقصود: يقال لأهل الجنة تكريمًا لهم وإحسانًا إليهم: إن هذا النعيم الذي وردتموه إنما كانَ جزاء لأعمالكم، وكان سعيكم محمودًا ومقبولًا ومرضيًا.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تَحْيَوا فلا تموتوا أبدًا. وإن لكم أن تَشِبُّوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تَنْعَموا فلا تَبأسوا أبدًا، فذلكَ قوله عز وجل: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾] (١).
٢٣ - ٣١. قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلَا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلَا (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلَا طَوِيلَا (٢٦) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلَا (٢٧) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلَا (٢٨) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلَا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)