وقوله: ﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾. أي: ويدعونَ بين أيديهم يومًا عسيرًا شديدًا هم قادمون عليه، قد أثقلته المصائب والأهوال.
وقوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾. قال ابن عباس: (يقول: شددنا خلقهم). والمقصود: خلقناهم ابتداء، وشددنا أوصالهم بعضًا إلى بعض بالعروق والعصب.
وقوله: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾. أي: لو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوع للَّه منهم.
وقوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾. قال قتادة: (إن هذه السورة تذكرة). أي: لمن تذكر واتعظ واعتبر.
وقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾. اي: فمن شاء أيها الناس اتخذ طاعة اللَّه واتباع رسوله سبيلًا له، فإن في ذلك النجاة كل النجاة، والسعادة في الدارين.
وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾. أي: وما اتخاذكم السبيل إلى ربكم أيها الناس إلا بمشيئته جلَّت عظمته، فإنه لا يُطاع سبحانه إلا بإذنه، كما لا يعصى إلا بإذنه، فمشيئتهُ قاهرة لكل مشيئةٍ، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله وقدره وشرعه، العليم بمن يستحق الهداية والنجاة، ولذلكَ ختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
أخرج الإمام أحمد في المسند، وابن أبي عاصم في "السنة"، بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانًا من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعملُ عملًا سيئًا. وإن العبد ليعملُ زمانًا من دهره بعمل سَيِّئٍ لو ماتَ عليهِ دخل النار، ثم يتحول فيعملُ عملًا صالحًا. وإذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملهُ قبل موتهِ فوفقه لعمل صالحٍ، ثم يقبضه عليه] (١).
وقوله: ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾. قال أبو السعود: (بيان لإحكامِ مشيئتهِ تعالى المترتبة على علمه وحكمته).
وقوله: ﴿وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. أي: وأعدَّ اللَّهُ للظالمينَ الذين صرفوا مشيئتهم

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ١٢٠، ١٢٣)، (٣/ ٢٣٠، ٢٥٧)، وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٣٤٧، ٣٥٣)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٣٣٤).


الصفحة التالية
Icon