قال النسفي: (﴿كَانَ مِيقَاتًا﴾ وقتًا محددًا ومنتهًى معلومًا لوقوع الجزاء، أو ميعادًا للثواب والعقاب).
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾. الصور: قَرْن. قال مجاهد: (﴿أَفْوَاجًا﴾: زمرًا زمرًا). والمقصود ابتداء يوم الفصل بالنفخ في الصور فإذا جميع الخلائق من الجن والإنس يجيئون زمرًا زمرًا، وجماعة جماعة. قال ابن جرير: (وإنما قيل: ﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ لأن كل أمة أرسل اللَّه إليها رسولًا تأتي مع الذي أرسل إليها، كما قال: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]).
أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [كيف أنعم وصاحبُ الصور قد التقمه وأصغى سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ؟ فقالوا: يا رسول اللَّه! وما تأمرنا؟ قال: قولوا: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل] (١).
وأخرج البخاري في كتاب التفسير من صحيحه عند هذه الآية: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ قال: حدَّثني محمَّد: أخبَرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: [قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بين النَّفختين أربعون". قال: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ. قال: أربعون شهرًا؟ قال: أَبَيْت، قال: أربعون سنة؟ قال: أَبيتُ. قال: ثم يُنزِلُ اللَّه من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما ينبُتُ البَقْلُ، ليسَ من الإنسان شيء إلا يَبْلى، إلا عَظمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يركَّبُ الخَلْقُ يومَ القيامة] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾. قال القرطبي: (أي لنزول الملائكة، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٥]. وقيل: تقطعت، فكانت قطعًا كالأبواب). والمقصود: تتصدع السماء يومئذ وتتشقق بعد أن كانت من قبل شدادًا لا فطور فيها ولا صدوع. وتصير ذات أبواب كثيرة لنزول الملائكة.
وقوله تعالى: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾. أي: وتُجْتَثُّ الجبال يومئذ من أصولها، فتصير هباءً منبثًا، كالسراب يحسبه من يراه من بعيد ماءً، وإنما هو هباء.

(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي في السنن -حديث رقم- (٢٤٣١)، (٣٢٤٣) من حديث أبي سعيد الخدري، وإسناده حسن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٤٩٣٥)، كتاب التفسير، وكذلك -حديث رقم- (٤٨١٤) من حديث أبي هريرة.


الصفحة التالية
Icon