والمقصود: هي الملائكة تسبق إلى تنفيذ أمر اللَّه، كما تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
وقوله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾. قال القشيري: (أجمعوا على أن المراد الملائكة). قال الحسن: (تدبّر الأمر من السماء إلى الأرض). والمقصود: تدبير الملائكة للأمر وهو نزولها بالحلال والحرام وتفصيلهما، وبقضاء اللَّه إلى أهل الأرض في الرياح والأمطار والنوازل وغير ذلك. قال النسفي: (وجواب القسم محذوف، وهو لتبعثن، لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة).
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾. الرجف: شدة الحركة. والردف المتابعة.
يروي البخاري عن ابن عباس: [الراجفة النفخة الأولى. والرادفة: الثانية] (١).
والمقصود: وصفت النفخة الأولى وهي ﴿الرَّاجِفَةُ﴾ بما يحدث بحدوثها من رجف تضطرب به الأرض حتى يموت كل من عليها، ثم تجيء النفخة الثانية وهي ﴿الرَّادِفَةُ﴾ التي تردف ﴿الرَّاجِفَةُ﴾ والتي يكون عندها البعث.
وقوله تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾. قال ابن عباس: (يعني خائفة). وقال السُّدي: (زائلة عن أماكنها). وقال المؤرِّج: (قلقة مُسْتَوْفِزة، مرتكضة (٢) غير ساكنة). وفي لغة العرب: وجَفَ القلب يَجفُ وجِيفًا إذا خفق. والمقصود: القلوب يوم الحشر خائفة وجلة مضطربة تخفق من هول الموقف.
وقوله تعالى: ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾. أي: أبصار أصحابها منكسرة ذليلة من معاينة هذا الحدث الجلل. وهو كقوله تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [القلم: ٤٣].
وقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾. استفهام بمعنى الإنكار، والحافرة: القبور. وقيل: الحالة الأولى. قال ابن كثير: (يعني مشركي قريش ومن قال بقولهم في إنكار المعادِ، يستبعدون وقوعَ البعثِ بعد المصير إلى الحافرة، وهي القبور، قاله مجاهد. وبعد تمزّق أجسادهم وتفتُّت عظامهم ونُخُورها). وقال النسفي: (أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا، والحافرة الحالة الأولى، يقال لمن كان في
(٢) مرتكضة: مضطوبة.