وقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾.
أي: واذكر لقومك يا محمد هذه القصة أيضًا -قصة عيسى بن مريم عليه السلام- إذ بعثه اللَّه إلى بني إسرائيل بالإنجيل مصدقًا ما تقدمه من كتاب، وهو التوراة التي بشّرت به. ولم يقل عيسى لهم ﴿يَاقَوْمِ﴾ كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم فيكونون قومه.
وقوله: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. أي: وكما بشرت التوراة بعيسى، فإن عيسى بشَّر بمحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
قال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه، باب: ﴿مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]: حَدَّثنا أبو اليَمان: أخبرنا شُعيب عن الزُّهري قال: أخبرني محمد بن جبير ابنِ مطعم، عن أبيه رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [إنَّ لي أسماءً: أنا محمدٌ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحي الذي يَمْحو اللَّه بي الكُفرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ الناس على قدمي، وأنا العاقِب] (١). والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسَمِّي لنا نَفْسَهُ أسماءً، فقال: أنا محمدٌ، وأحمدُ، والمُقَفِّي، والحاشِرُ، ونبيُّ التوبة، ونبيُّ الرحمة] (٢).
وفي التنزيل: إثبات لتلك البشائر في التوراة والإنجيل وميثاق الأنبياء:
١ - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١]. قال ابن عباس: (ما بعث اللَّه نبيًا إلا أخذ عليه العهد: لئن بُعِثَ محمدٌ وهو حيٌّ لَيتبعنَّه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمته لئن بُعِثَ محمد وهم أحياء لَيتَّبعُنَّه ويَنْصُرنَّهُ).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٣٥٥) - كتاب الفضائل. وأخرجه أحمد (٤/ ٣٩٥)، (٤/ ٤٠٤).