﴿فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ يقول: فانت عنه تعرض، وتشاغَلُ عنه بغيره وتغافَلُ).
وأصل ﴿تَلَهَّى﴾ تتلهى، جاءت مخففة. والتلهي: التغافل. ولَهِيتُ عن الشيء أي تشاغلت عنه. ولهِيتُ عنه وتَلهيتُ: بمعنى.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾. -كلّا- كلمة ردع وزجر. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: "كلّا" ما الأمر كما تفعل يا محمد، من أن تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى من استغنى ﴿إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾ يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة، يقول: عظة وعبرة).
قال ابن كثير: (ومن هنا أمر اللَّه -عزّ وجلّ- رسولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- ألّا يَخُصَّ بالإنذار أحدًا، بل يُساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسَّادة والعبيد، والرجال والنِّساء، والصِّغار والكبار. ثم اللَّه تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، له الحكمةُ والحُجَّة. قال: وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾، أي: هذه السورة، أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾. أي حفظه، فالذكر خلاف النسيان. أو اتعظ به، فيكون من "التذكير". وفي الآية إثبات مشيئة خلقها اللَّه تعالى للإنسان، لو أحسن استعمالها لنجا وأدرك السعادة في الدارين.
قال الزمخشري: (وذكّر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وقيل: الضمير للقرآن، والكلام استطراد).
وقوله تعالى: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾. أي: إنها تذكرة كائنة في صحف مكرمة عند اللَّه، لما فيها من العلم والحكمة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ.
وقوله: ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾. قال يحيى بن سلام: (مرفوعة في السماء السابعة). وقال الطبري: (مرفوعة الذكر والقدر). وقيل: مرفوعة عن الشُّبَهِ والتناقض. والمقصود: إنها رفيعة القدر عند اللَّه، ومرفوعة عنده تبارك وتعالى.
وقوله: ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾. قال الحسن: (من كل دنس). وقيل: مصانة عن أن ينالها الكفار. وهو معنى قول السُّدّيّ. وعن الحسن أيضًا: (مطهرة من أن تنزل على المشركين). والمقصود: إنها في صحف مكرمة مرفوعة، منزهة لا يمسها إلا المطهرون، مصونة عن الشياطين والكفار.
وقوله تعالى: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾. السفرة هنا الملائكة، سُمّوا كذلك لأنهم يسفرون