مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)}.
في هذه الآيات: يقسم تعالى بالكواكب التي تخنِسُ بالنهار فتختفي وتظهر بالليل، كما يقسم سبحانه بالليل إذا نشأ وأقبل بظلامه، والصبح إذا أضاء وامتد بنوره ونسائمه، إنَّ هذا القرآن لقول رسول عن اللَّه كريم على اللَّه، ذي قدرة عالية، ومكانة رفيعة مكينة، رآه نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- في صورته بالأفق المبين، وما يضن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالخبر اليقين، وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم، فأين تسلكون وتتركون هذا الذكر الحكيم، وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء اللَّه رب العالمين.
فقوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾. أي اقسم، و"لا" زائدة. والخُنَّس: هي النجوم تخنِس بالنهار فتختفي تحت ضوء الشمس ولا ترى. قال علي: (هي النجوم تخنِسُ بالنهار، وتَظْهَرُ بالليل). رواه بإسناده ابن جرير.
وفي الصِّحاحِ: (و"الخُنَّسُ" الكواكِبُ كلها. لأنها تخنِس في المغيب، أو لأنها تخنِسُ نهارًا). وخنَسَ عنه: أي تأخَّر. و"أخْنَسَهُ" غيْرُه أي خَلَّفَهُ ومضى عنه. والخُنَّس: جمع خانِس وخانِسة.
وقوله تعالى: ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾. أي ﴿الْجَوَارِ﴾ تجري في أفلاكها ﴿الْكُنَّسِ﴾ تختفي في وقت غروبها.
يروي ابن جرير بسنده عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليًا عليه السلام، وسئل عن ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ قال: (هي النجوم تخنس بالنهار، وتكنس بالليل).
قلت: والجواري: جمع جارية من جرى يجري. والكُنَّس: جمع كانس وكانِسة. وأصل الكُنُسِ من الكِناس، وهو المكان الذي يختفي فيه الوحش، من غزالٍ أو غيره.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾. أي: والليل إذا نشأ وأقبل بظلامه، أو أدبر وانتهت ظلمته. فالآية تحتمل التأويلين:
١ - قال مجاهد: (﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾: أظلم). وقال سعيد بن جبير: (إذا نشأ). وقال الحسن البصري: (إذا غشي الناس).
٢ - وقال ابن عباس: (﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ إذا أدبرِ). وقال ابن زيد: (عسعس: تولى). وروى أبو داود الطيالسي عن أبي عبد الرحمن السلَمِيّ قال: (خرج علينا عليُّ -رضي اللَّه