هو بالختم والطبع، والترك والنسيان، والإهمال والخذلان.
وقوله: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾. قال ابن زيد: (نور القرآن). قلت: والأشمل أن يقال نور الإسلام الممثل بالوحيين: القرآن والسنة المطهّرة، فإنه يؤذي أعين الطغاة ويحرق بإشعاعه قلوبهم، فناصبوه العداء لمنع انتشار نوره، ولكنهم بذلك كمن يحاول إطفاء نور الشمس بفيه. قال ابن جرير: (يقول: يريدون ليبطلوا الحق الذي بعث اللَّه به محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- بأفواههم يعني بقولهم إنه ساحر، وما جاء به سحر، ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ يقول: اللَّه معلن الحق، ومظهر دينه، وناصر محمدًا عليه الصلاة والسلام على من عاداه، فذلك إتمام نوره).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. أي: واللَّه متم الحق ومبلغه غايته، ومظهر نبيه وصحابته، والطائفة التي على منهاج النبوة، ولو كره الكافرون وأغاظهم ذلك.
وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾. قال النسفي: (أي الملة الحنيفية). وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾. أي: ليعليه على جميع الأديان المخالفة له. قال مجاهد: (إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام).
وقوله: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾. أي: ولو أغاظ ذلك أهل الشرك والكفر والطغيان.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللَّه قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقول أميرهم: تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضَكم على بعض أمراءُ، تَكْرِمَةَ اللَّه هذه الأمة] (١).
وكذلك أخرج الإمام مسلم عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خَذَلَهُمْ حتى يأتيَ أمر اللَّه وهم كذلك] (٢).
وله شاهد عنده من حديث المغيرة بلفظ: [لنْ يزالَ قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر اللَّه، وهم ظاهرون].

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٥٦) - كتاب الإيمان، من حديث أبي الزبير عن جابر.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٩٢٠) - كتاب الإمارة. وانظر للشاهد حديث رقم (١٩٢١).


الصفحة التالية
Icon