قال القرطبي: (﴿وَيْلٌ﴾ أي شدة عذاب في الآخرة) - ﴿لِلْمُطَفِّفِينَ﴾. وقال ابن عباس: (إنه وادٍ في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار، فهو قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾. يعني الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن. قال الفراء: (﴿اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ﴾: أي من الناس، يقال: اكتلت منك: أي استوفيت منك، ويقال اكتلت ما عليك: أي أخذت ما عليك). وقال الزَّجاج: (أي إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل). والمقصود: الذين إذا استوفوا أخذوا الزيادة، وإذا أوفوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا، فلا يرضون للناس ما يرضون لأنفسهم. - ذكره القرطبي.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾. أي: وإذا كالوا لغيرهم من الناس ينقصون الكيل، وإذا وزنوا لغيرهم من الناس ينقصون الوزن.
قلت: والآيات في موضع التوبيخ الشديد، وتَحْمِلُ التهديد والوعيد الأكيد، فإن الأصل الوفاء في الكيل والميزان، وقد أهلك اللَّه تعالى قوم شعيب عبر الزمان، لما كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان.
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٨٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢].
٤ - وقال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٩].
ومن كنوز صحيح السنة في آفاق ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن سويد بن قيس قال: [جلبتُ أنا ومخرَفة العبدي بَزًّا من هَجَر... فجاءنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فساومنا سراويل. وعندنا وَزَّان