فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ﴾. ابتداء خطاب من اللَّه، أي: كونوا - معشر المؤمنين أنصارًا للَّه في جميع أقوالكم وأفعالكم. وقيل: بل التقدير: قل لهم يا محمد كونوا أنصار اللَّه. والأول أنسب للسياق.
وقوله ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾. الحواريّون: خواص الرسل. قال القرطبي: (أكّدَ أمر الجهاد، أي كونوا حوارِيّ نبيِّكم ليظهركم اللَّه على من خالفكم كما أظهر حواريّ عيسى على من خالفهم). قال ابن كثير: (﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ أي: مَنْ معيني في الدعوة إلى اللَّه عزَّ وجلّ؟ ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ -وهم أتباع عيسى عليه السلام-: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾، أي: نحن أنصارُكَ على ما أُرسلت به ومؤازِرُوك على ذلك. ولهذا بعثهم دعاةً إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيليين واليُونانيين).
وعن قتادة: (قد كانت للَّه أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه. قال: جاءه سبعون رجلًا فبايعوه عند العقبة، فنصروه وآوَوْه حتى أظهر اللَّه دينه).
وقوله: ﴿فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ﴾. أي: اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به عيسى عليه السلام، وجحدت طائفة أخرى نبوّته، ورموه وأمَّه بالبهتان والكذب -وهم اليهود- عليهم لعائن اللَّه. وغلت فيه طائفة ممن اتبعه وكانوا شيعًا: منهم من قال: إنه اللَّه. ومنهم من قال: هو ابن للَّه. ومنهم من قال: إنه ثالث ثلاثة: الأب، والابن، وروح القدس. ذكره الحافظ ابن كثير.
وقوله: ﴿فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾. أي: فقوّينا الذين آمنوا منهم على عدوهم الذين كفروا بعيسى فأصبحوا غالبين. قال ابن عباس: (أيَّد اللَّه الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد على دين الكفار). وقال مجاهد: (أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى). قلت: وكلا المعنيين حق، فإن المؤمنين في زمان عيسى -عليه السلام- كانوا هم الغالبين، ثم أيَّد اللَّه بقيَّتهم فنصرهم على من عاداهم من فِرق النصارى ببعثة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
تم تفسير سورة الصف بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منِّه وكرمه عصر الأربعاء ٢٣ رمضان ١٤٢٦ هـ الموافق ٢٦/ تشرين الأول/ ٢٠٠٥ م


الصفحة التالية
Icon