أي: فما لهم لا يؤمنون باللَّه ورسوله واليوم الآخر وهذا الوحي مع وجود موجبات الإيمان! وما يمنعهم من السجود إذا تليت عليهم آيات الرحمان! ؟. قال ابن زيد: (﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ قال: بهذا الحديث، وبهذا الأمر). وهذا استفهام إنكار. وقيل: بل هو تعجب، والمعنى: اعجبوا منهم في تركهم الإيمان مع هذه الحجج والآيات، وتركهم السجود إذا تليت عليهم آيات القرآن إعظامًا وإكرامًا واحترامًا؟ !
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: [سجدنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾ و ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾] (١).
وقوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾. قال ابن كثير: (أي: من سَجِيَّتهم التكذيب والعناد والمخالفةُ للحق).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾. قال مجاهد وقتادة: (يكتمون في صدورهم). وهو مأخوذ من الوعاء الذي يَجْمع ما فيه. والعرب تقول: أوعيت الزاد والمتاع: إذا جعلته في الوعاء. والمقصود: واللَّه أعلم بما يضمرونه في صدورهم من المكر والتكذيب.
وقوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. أي: فبشر يا محمد هؤلاء المكذبين بعذاب موجع أعدّه اللَّه لهم. وقد جعله بشارة تهكّمًا بهم.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾. قال ابن عباس: (غير منقوص). وقال مجاهد: (غير محسوب). والاستثناء هنا منقطع، والتقدير: لكن الذين آمنوا حق الإيمانِ بقلوبهم، وصدّقوا ذلك بأقوالهم وأعمالهم، لهم أجر عند اللَّه غير منقوص ولا مقطوع (٢)، كما قال تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨].
تم تفسير سورة الانشقاق بعون اللَّه وتوفيقه، وواسع منّه وكرمه صبيحة الأحد ١٨/ ذي القعدة/ ١٤٢٦ هـ الموافق ١٨/ كانون الأول/ ٢٠٠٥ م
(٢) والعرب تقول: مَنَنْتُ الحبل: إذا قطعته. وقيل المعنى: لا يُمَنُّ عليهيم به، والأول أرجح، لأن اللَّه تعالى له المنة على أهل الجنة في ما آتاهم ورزقهم، فقد دخلوها بِمَنّهِ ورحمته وكرمه. واللَّه تعالى أعلم.