كانوا يعرضون الكفر على المؤمنين، فمن أبى ألقوه في النار وهم شهود لذلك التعذيب. فبالتأويل الأول ﴿عَلَى﴾ بمعنى "مع" أي: وهم: مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وبالتأويل الثاني: وهم على ما فعلوه بالمؤمنين في الدنيا شهود على أنفسهم يوم القيامة. وكلا التأويلين صحيح.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
أي: وما وجَدَ هؤلاء الكفار -الذين فتنوا المؤمنين- على المؤمنين والمؤمنات إلا أنهم أخلصوا الإيمان باللَّه ﴿الْعَزِيزِ﴾ أي الغالب الشديد في انتقامه من أعدائه ﴿الْحَمِيدِ﴾. أي: المحمود بإحسانه إلى خلقه، والمحمود في كل حال.
وفي السنة الصحيحة حديثان في آفاق هذه الآيات:
الحديث الأول: روى مسلم في الصحيح، والنسائي في السنن والتفسير، وأحمد في المسند، عن صُهَيب، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [كانَ مَلِكٌ فيمَنْ كان قَبْلكُمْ، وكانَ له ساحِرٌ، فَلَمَّا كَبُرَ قال للملك: إني قَدْ كَبُرْتُ فابْعَثْ إليَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْر، فبَعَثَ إليه غُلامًا يُعَلِّمُهُ، فكان في طَريقِهِ، إذا سَلَكَ، راهِبٌ، فَقَعَدَ إليه وسَمِعَ كلامَهُ، فأعْجَبَهُ، فكانَ إذا أتى الساحِرَ مَرَّ بالراهب وقَعَدَ إليه، فإذا أتى الساحِرِ ضَرَبَهُ، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خَشيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنَي أَهْلي، وإذا خَشيتَ أهلكَ فَقُلْ: حَبَسَني السَّاحِرُ، فبينما هو كذلكَ إذْ أتى على دابَّةٍ عَظيمةٍ قَدْ حَبَسَتِ الناس، فقال: اليَوْمَ أَعْلَمُ السَّاحِرُ أفضلُ أمِ الراهِبُ أفضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فقال: اللهمَّ! إنْ كانَ أمرُ الراهب أحبَّ إليكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فاقْتُل هذه الدّابةَ، حتى يمضيَ الناسُ، فرَماها فقَتَلها، ومضى الناسُ، فأتى الراهِبَ فأخبَرَهُ، فقال له الراهِبُ: أي بُنَيَّ! أنْتَ، اليومَ، أفْضَلُ مني، قد بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ ما أَرى، وإنَّكَ سَتُبْتَلَى، فإن ابْتُليتَ فلا تَدُلّ عليَّ، وكان الغلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُداوي الناسَ مِنْ سائِرِ الأدواء، فَسَمِعَ جليسٌ للمَلِكِ كانَ قد عَمِيَ، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، فقال: ما هاهُنَا لكَ أَجْمَعُ، إنْ أَنْتَ شَفَيْتَني، فقال: إني لا أَشْفي أحَدًا، إنما يشفي اللَّهُ، فَإنْ أنْتَ آمَنْتَ باللَّه دَعَوْتُ اللَّهَ فشفاكَ، فآمَنَ باللَّهِ، فَشَفَاهُ اللَّهُ، فأتى المَلِكَ فَجَلَسَ إليه كما كان يَجْلِسُ، فقال له المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قال: رَبِّي، قال: أوَلَكَ رَبٌّ غَيْري؟ قال: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذهُ فلمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتى دَلَّ على الغُلامِ، فَجِيءَ بالغُلامِ، فقالَ له المَلِكُ: أيْ بُنَيَّ! قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ ما تُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ، فقال: إني لا أَشْفِي أحَدًا، إنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتى دَلَّ على الراهِبِ، فَجِيءَ بالراهِبِ،