البروج إن بطش ربك، وما بينهما مُعْترض مؤكِّد للقسم، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾. قال الضحاك: (يعني الخلق). وقال ابن زيد: (يبدئ الخلق حين خلقه، ويعيده يوم القيامة). فهو دلالة على كمال قدرته وقوته جلت عظمته، وفيه تهديد ووعيد للطغاة المجرمين، على ما يفعلون بالمؤمنين ويحاربون الدين.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾. قال البخاري: (وقال ابن عباس: ﴿الْوَدُودُ﴾: الحبيب). والمعنى: إنه تعالى بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها، بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه. وقال ابن زيد: (﴿الْوَدُودُ﴾: الرحيم).
قلت: والودود: فعولٌ بمعنى مفعول، من الوُدِّ، فاللَّه تعالى مودود، أي: محبوب في قلوب أوليائه، أو هو فعولٌ بمعنى: فاعل، أي: أن اللَّه تعالى يَودُّ عباده الصالحين، بمعنى: يرضى عنهم.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦].
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا أَحَبَّ اللَّه عَبْدًا نادى جِبْرَئيل: إني قَدْ أحْبَبْتُ فُلانًا فأحِبَّهُ. قال: فينادي في السماء، ثم تُنْزَلُ لَهُ المَحَبَّةُ في أهل الأرض، فذلك قولُ اللَّه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾] الحديث (١).
وقوله تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾. قال ابن عباس: (يقول: الكريم).
والمقصود: أي صاحب العرش الكريم، أو صاحب العرش المُعَظَّم العالي على جميع الخلائق.
فالمجيد فيه قراءَتان: الرفع على أنه صفة للرب سبحانه. وهذه قراءة أهل مكة والمدينة والبصرة. والجرِّ على أنه صفة للعرش. وهذه قراءة أهل الكوفة.
قلت: وهما قراءتان مشهورتان في الأمصار، وإن كنت أفضِّل القراءة بالرفع