٣ - وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١٢].
وفي معجم الطبراني بسند صحيح عن أبي أمامة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن صاحب الشمال ليرفع القلم ستَّ ساعات عن العبد المسلم المخِطئ، فإن ندم واستغفر اللَّه منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾. استفهام للتنبيه، أي لينظر ابن آدم من أي شيء خُلق؟ قال القرطبي: (وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يُمْلي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره).
وقوله تعالى: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾. أي: مصبوب في الرحم. وهو ماء الرجل وماء المرأة، لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدًا لامتزاجهما، وهو يخرج منهما دفقًا.
وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾. يعني صلب الرجل وترائب المرأة، وهو صَدُرها. قال الرازي: (و"التَّريبة" واحدة "الترائب" وهي عظام الصَّدْر).
وعن ابن عباس: (﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ قال: صلب الرجل وترائب المرأة، أصفَرُ رقيقٌ، لا يكونُ الولدُ إلا منهما). وقال الضحاك عن ابن عباس: (تريبةُ المرأة موضِعُ القِلَادَة). وقال سعيد بن جبير عنه: (الترائب: بين ثَدْيَيْها).
وعن مجاهد: (الترائِبُ ما بين المَنْكِبين إلى الصدر). وقال أيضًا: (الترائب أسفلُ من التَّراقي). وقال سفيان الثوري: (فوق الثديين).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾. فيه قولان عند المفسرين:
القول الأول: إنه تعالى على رجْعِ هذا الماء الدافق إلى مقرّه الذي خرج منه لقادر.
قال عكرمة: (﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ قال: إنه على ردّه في صلبه لقادر). وقال مجاهد: (على أن يرد الماء في الإحليل). أو قال: (على ردّ النطفة في الإحليل).
القول الثاني: إنه على بعث هذا الإنسان -المخلوق من ماء دافق- لقادر، لأن من

(١) حديث حسن. أخرجه الطبراني في "الكبير" (ق ٢٥/ ٢ مجموع ٦)، والبيهقي في "الشعب" (٢/ ٣٤٩/ ١)، وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ١٢٤). وانظر: "الصحيحة" (١٢٠٩).


الصفحة التالية
Icon