الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)}.
في هذه الآيات: إقرار الفلاح لمن تزكى من الشرك وعظم أمر ربه وصلى، وأكثر الناس يؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير لهم وأبقى، وتقرير هذا في القرآن كما هو في الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى.
فقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾. قال ابن عباس: (يقول: مَنْ تزكى من الشرك).
وقال الحسن: (من كان عمله زاكيًا). وقال قتادة: (يعمل وَرِعًا). وقال: (تزكى رجل من ماله، وأرضى خالقه).
والمقصود: يجمع كل ما سبق: أي قد نجح وأدرك أمله مَنْ تَطَهَّرَ من الكفر والآثام، وعمل بطاعة الرحمان.
وقوله تعالى: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾. أي ذكر اسم ربه بلسانه، وأقام الصلوات المفروضة وذكر اللَّه فيها بتحميده ودعائه. قال القاسمي: (﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ أي تذكر جلال ربه وعظمته، فخشع وأشفق وقام بِما لَهُ وما عليه، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢]. وجوز أن يحمل ﴿تَزَكَّى﴾ على إيتاء الزكاة و ﴿صَلَّى﴾ على إقامة الصلاة، كآية: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]، لما عهد في كلامه تعالى من الجمع بينهما في عدة آيات، لأنهما مبدأ كل خير وعنوان السعادة).
وقوله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾. قال ابن كثير: (أي: تُقَدِّمونها على أمر الآخرة، وتُبَدُّونها على ما فيه نفعُكم وصلاحُكم في معاشكم ومعادكم).
وقوله تعالى: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾. قال قتادة: (خير في الخير، وأبقى في البقاء). قال ابن جرير: (يقول: وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى بقاء، لأن الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفد ولا تفنى).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾. قال أبو العالية: (قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى). وقال قتادة: (تتابعت كتب اللَّه كما تسمعون، أن الآخرة خير وأبقى).