وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾. أي فوق الأرض بلا عمد، على وجه لا يناله الفهم ولا يدركه العقل. كما قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: ٦].
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾. أي: رفعت على الأرض منتصبة، مُرْساةً راسخة، لا تميد ولا تميل ولا تزول.
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾. أي بُسطت ومُدَّت ومُهِّدت.
قال القرطبي: (وكانوا يسيرون على الإبل منفردين مستوحشين عن الناس، ومَنْ هذا حاله تفكر فيما يحضره، فقد ينظر في مركوبه، ثم يمد بصره إلى السماء، ثم إلى الأرض. فأُمِروا بالنظر في هذه الأشياء، فإنها أدل دليل على الصانع المختار القادر).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: نُهينا أنْ نَسْأَلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ شيءٍ، فكان يُعْجِبنا أن يَجيءَ الرجلُ مِنْ أَهْلِ البادية، العاقِلُ، فيَسْألَهُ ونحن نسمع، فجاءَ رجلٌ من أهل البادية، فقال: يا محمدُ! أتانا رسولك فزعَمَ لنا أنك تَزْعُمُ أنَّ اللَّه أَرْسَلكَ؟ قال: صَدَق. قال: فمن خلقَ السماء؟ قال: اللَّه. قال: فمن خلقَ الأرض؟ قال: اللَّه. قال: فمن نَصَبَ هذه الجبال، وجَعَل فيها ما جَعَلَ؟ قال: اللَّه. قال: فبالذي خلقَ السماءَ وخلقَ الأرضَ وَنَصَبَ هذه الجبالَ، آللَّه أرسلكَ؟ قال: نعم] الحديث (١).
فسأل الرجل من أهل البادية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مستدلًا بهذه الأمور والمخلوقات العظيمة التي يراها في حله وترحاله على خالقها ومالكها ومدبِّر شؤونها.
وقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. أي: فعظ الناس يا محمد وخَوِّفهم بما جاءك من الوحي، فإنما أنت منذر وعلى ربك الحساب.
وقوله تعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾. قال ابن عباس: (يقول: لست عليهم بجبار).
وقال ابن زيد: (لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان).
والمقصود: لست تخلق الإيمان -يا محمد- في قلوبهم، ولم تُسَلَّط عليهم حتى يؤمنوا، وإنما عليك البلاغ، وعلى اللَّه الثواب والعقاب.

(١) حديث صحيح. رواه مسلم (١٢)، كتاب الإيمان، وأخرجه أحمد (٣/ ١٤٣)، والترمذي (٦١٩).


الصفحة التالية
Icon