فاللَّه تعالى وتر -أي واحد- في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته، ليس كمثله شيء.
قال ابن جرير: (والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللَّه تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصِّص نوعًا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به، مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا، لعموم قسمه بذلك).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾. أي: إذا يمضي. قال ابن عباس: (أي إذا ذهب). وقال مجاهد: (إذا سار). وقال الضحاك: (أي: يجري). قلت: فقوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ ثم ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ فيه مقابلة لطيفة، فيكون قَسَمًا بإقبال النهار وإدبار الليل، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾. الحِجْر: العقل: لأنه يحجر صاحبه، أي يمنعه من ارتكاب ما لا ينبغي. والمقسَم عليه محذوف، تقديره "ليعذبن" كما يدل عليه ما بعده. قال ابن عباس: (﴿لِذِي حِجْرٍ﴾ ذي النهى والعقل).
وعن قتادة: (﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ قال: لذي حجى، لذي عقل ولُبّ).
قال الرازي: (المراد من الاستفهام التأكيد. كمن ذكر حجة باهرة ثم قال: هل فيما ذكرته حجّة؟ والمعنى أن من كان ذا لُبّ علم أن ما أقسم اللَّه تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية. فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه).
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ﴾. إرم: اسم آخر لعاد الأولى، فهو على سبيل زيادة التعريف بهم. قال ابن إسحاق: (يقول اللَّه: بعاد إرم، إن عاد ابن إرم بن عوص بن سام بن نوح). وهم الذين بعث اللَّه فيهم هودًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فكذبوه، وعتوا في الأرض متمردين جبارين، فأهلكهم اللَّه بريح صرصر عاتية، ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧ - ٨].
قال مجاهد: (إِرَمُ أُمَّةٌ قديمة -يعني عادًا الأولى-). وقال السدي: (إن إرمَ بيتُ مَمْلكةِ عاد).
فقوله تعالى: ﴿بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ عطف بيان، زيادة تعريف بهم. قال ابن عباس: (﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ كانوا أهل عَمُود لا يقيمون). قال ابن كثير: (وقوله تعالى: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾؛ لأنهم كانوا يسكنون بُيوت الشعر التي تُرفع بالأعمدة الشِّداد، وقد