وقوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾. أي: فكذبوا صالحًا عليه السلام فيما جاءهم به من الحق، حتى حملهم تكذيبهم على عقر الناقة التي أخرجها من الصخرة آية لهم وحجّة عليهم. قال القرطبي: (﴿فَعَقَرُوهَا﴾ أي عقرها الأشقى. وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله).
وقوله: ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾. دَمْدَمْتُ الشيء -في لغة العرب- أي ألزقته بالأرض وطَحْطَحْتُه. ودمدم اللَّه عليهم: أي أهلكهم. قال القُشَيري: (وقيل: دَمْدَمْتُ على الميت التراب: أي سَوَّيْتُ عليه (١)). والمقصود: أهلكهم اللَّه وأطبق عليهم العذاب، فسَوّى الأرض عليهم فجعلهم تحت التراب.
وعن ابن عباس: (﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ﴾ قال: دمَّرَ عليهم ربهم بذنبهم، أي بجُرمهم). وقال الفرّاء: (دمْدَم: أي أرجف). وقال المؤرِّج: (الدمدمة: إهلاك باستئصال). وقيل: حقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده. وكل ما سبق يقارب بعضه بعضًا.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾. فيه تأويلان:
التأويل الأول: لا يخاف من عقر الناقة عاقبة ما أقدم عليه. قال الضحاك: (﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ قال: لم يَخَفِ الذي عَقَرَها عقباها). وقال السدي: (لا يخاف الذي صنع عقبى ما صنع).
التأويل الثاني: لا يخاف اللَّه عاقبةً ولا تبعةً مِمَّا فَعَلَ بهم، فهو العظيم الجبار الذي يخافُه كل شيء. قال ابن عباس: (﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ قال: لا يخاف اللَّه من أحَدٍ تَبِعَةً). وقال الحسن: (ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعةً مما صنعَ بهم). وقال أيضًا في رواية: (ذاك الرب صنَعَ ذلك بهم، ولم يخف تبعة). وقال قتادة: (لا يَخاف أن يُتْبَعَ بشيء مما صنعَ بهم). وعن مجاهد: (اللَّه لا يخاف عقباها).
قلت: والتأويل الثاني هو الأنسب للسياق، والمقصود الاستهزاء بهم وبالطغاة من أمثالهم، إذ كان ينبغي لهم تعظيم أمر اللَّه والخوف منه قبل أن يدكّهم العذاب، أمَا وَلَمْ يَفْعَلوا فإن اللَّه تعالى أنزل نقمته بهم، وانتصر لرسله منهم، وهو العزيز الجبار المنتقم الذي لا يمانعه أحد، ولا يخشى تبعة فعله من أحد.

(١) وقيل: دمَّمتُ على الشيء: أطبقت عليه، ودمّم عليه القبر: أطبقه.


الصفحة التالية
Icon