قالوا: فما أوَّلْتَهُ يا رسولَ اللَّه؟ قال: العَجَم، يَشْرَكونَكُم في دينكم وأنسابكم. قالوا: العجم يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله رجال من العجم، وأسعد بهم الناس] (١).
الحديث الثالث: أخرج أبو نعيم في "أخبار أصبهان" بسند حسن من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرفوعًا: [رأيتُ الليلة غنمًا سودًا تَتْبَعُني، ثم أَرْدَفتها غنم عُفْرٌ، فقال أبو بكر: تلك العرب اتَّبَعَتْكَ، ثم أردفَتْها الأعاجم. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: كذلكَ عَبَّرَها الملك بِسَحَر] (٢).
الحديث الرابع: أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" بسند صحيح عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنّ في أصلاب أصلاب أصلاب رجال رجالًا ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، ثم قرأ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾] (٣).
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. قال النسفي: (في تمكينه رجلًا أميًا من ذلك الأمر العظيم وتأييده عليه واختياره إياه من بين كافة البشر).
وقوله: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. يعني: ما اختص اللَّه به محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- من النبوة العظيمة، وما خصّ به أمّته من بعثته الكريمة. قال ابن عباس: (الفضل: الدين). وقال مقاتل: (الوحي والنبوة). وقيل: (إنه انقياد الناس إلى تصديق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ودخولهم في دينه ونصرته). وقيل: إنه المال ينفق في طاعته. ودليله ما في صحيح البخاري ومسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة: [أنَّ فقراء المهاجرين أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: ذهبَ أهل الدُّثور (٤) بالدرجات العلا والنعيم المقيم. فقال: "وما ذاك"؟ قالوا: يُصَلُّون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدّقون ولا نتصدق ويُعتقون ولا نُعتق. فقال رسول اللَّه
(٢) حديث حسن. أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (١/ ٩) (١/ ١٠) بنحوه. وانظر كذلك (١/ ٢٠٩). وسلسلة الأحاديث الصحيحة ص (١٥) -المجلد الثالث- عقب الحديث (١٠١٨).
(٣) إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" -حديث رقم- (٣٠٩)، والطبراني (٦٠٠٥) وسنده حسن. ورواه ابن مردوديه كما في "الدر" (٦/ ٢١٥)، وجوّده الهيثمي (١٨٧٠٢) ووافقه الألباني في تخريج كتاب: "السنة" (٣٠٩).
(٤) الدثور: جمع دثر، وهو المال الكثير.