وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾. قال ابن عباس: (بخل بما عنده، واستغنى في نفسه). وقال أيضًا: (وأما من بخل بالفضل، واستغنى عن ربه).
وقال كذلك: (يقول: من أغناه اللَّه، فبخل بالزكاة). وقال قتادة: (وأما من بخل بحق اللَّه عليه، واستغنى في نفسه عن ربه).
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾. قال ابن عباس: (وكذب بالخَلَفِ من اللَّه). وقال قتادة: (وكذّب بموعود اللَّه الذي وعد). وقال الضحاك: (﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ بلا إله إلا اللَّه). وقال مجاهد: (﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ قال: بالجنة).
وقوله: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾. أي لطريق الشر، وللضياع والخذلان، وطريق صِليّ النيران.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)﴾ [الأنعام: ١١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)﴾ [الصف: ٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: ٣٤].
وفي صحيح السنة العطرة في آفاق هذه الآيات أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن عَليّ رضي اللَّه عنه قال: [كُنّا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في بقيع الغَرْقَدِ في جنازةٍ، فقال: "ما مِنكم مِنْ أَحَدٍ إلا وقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجنة ومَقْعَدُه من النار". فقالوا: يا رسول اللَّه، أفلا نَتَّكِلُ؟ فقال: "اعْمَلوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ إلى قوله: ﴿لِلْعُسْرَى﴾] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن عن عليٍّ رضي اللَّه عنه قال: [كُنَّا في جَنَازَةٍ في بقيع الغَرقَدِ، فأتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَعَدَ وَقَعَدْنا حوْلَهُ ومَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمَّ قال: "ما منكم مِنْ أَحَدٍ، وما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةِ إلا كُتِبَ مكانُها مِنَ الجنة والنَّار، وإلا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أو سعيدةً". قال رجل: يا رسول اللَّه، أَفَلَا نَتَّكِلُ على كتابِنا ونَدَعُ العملَ؟ فَمَنْ كانَ مِنّا مِنْ أهل السعادة فسيصيرُ