فقد خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده، وخلقه عالمًا متكلمًا مدبرًا حكيمًا، جاهزًا لمهمة الاستخلاف في الأرض.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾. أي: ثم رددناه إلى دركات النار في الآخرة، مقابل تضييع العمر والشباب في الكفر والآثام، والمعاصي والطغيان، إلا من رحمه الرحمان. فعن مجاهد: (﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ قال: إلى النار). وقال الحسن: (جهنم مأواه).
قلت: فإذا كان هذا الإنسان الذي خلقه اللَّه في أحسن حال وصورة يُرَدّ شرًا من كل دابة، بعد الحُسن والنضارة، وفي حال أسوأ من كل حال، إلى أسفل دركات النار، لمن لم يطع اللَّه ويتبع الرسل، كان هذا تأويل الردّ إلى أسفل سافلين.
وروي عن ابن عباس وعكرمة: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ أي إلى أرْذَلِ العمر، وإلى الهرم، وهو اختيار ابن جرير، والمعنى الذي ذكرناه أنسب للسياق، لاستثناء المؤمنين من ذلك في الآية بعده، وهو اختيار ابن كثير.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾. هو كقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
والمقصود: استثناء من اللَّه تعالى للمؤمنين، فلا يردون أسفل سافلين، بل إلى جنة اللَّه الواسعة في عليين. وعن مجاهد: (﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾: قال: غير محسوب). وقال ابن عباس: (غير منقوص). وقد قدّمنا القول أن المقصود على الأرجح أنه ثواب دائم غير مقطوع، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾. أي فما يحملك بعد ذلك أيها الإنسان الذي خلقك اللَّه في أحسن تقويم، وأنه يردك إن عصيته أسفل سافلين، أن تكذب بالبعث والحساب، والثواب والعقاب! وعن عكرمة: (﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ قال: الحساب). وقال ابن عباس: (يقول: ما يكذبك بحكم اللَّه).
وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾. أي قضاء وعدلًا. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أليس اللَّه يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده؟ ).